الأربعاء، 23 أغسطس 2017

رحلتي من الخرطوم حتى الإسكندرية

الخرطوم


بادئ ذي بدء، يذكر الناس مثلًا شائعًا: "من لم يزر مصر كأنه لم يزر أي بلد". كما يوجد في مصر مثل آخر يقول: "من لم يزر الإسكندرية كأنه لم يزر مصر على الإطلاق".

في يوم الثلاثاء الموافق 13 يوليو 2010م، وفي شارع الجمهورية الحيوي المشهور باتجاهه الواحد من الغرب إلى الشرق بالعاصمة السودانية الخرطوم، حصلت على تأشيرة دخول إلى جمهورية مصر العربية مدتها ستة أشهر متعددة السفرات من قبل القنصلية المصرية.

شعرت بسعادة غامرة حين حصلت على هذه التأشيرة التي أعتبرها ثمينة جدًا بالنسبة لي، رغم أنها بلا رسوم تقريبًا وتستغرق حوالي ثلاثة أيام فقط، وإن رغبت بالحصول عليها فورًا فيمكنك دفع رسوم إضافية لذلك.

كانت سعادتي بسبب مفارقتي للسودان لأول مرة في حياتي، فقد كنت أحاول السفر والخروج من السودان منذ تسعينيات القرن الماضي، بدءاً ببرنامج اللوتري، وتحديداً منذ العام 1999م، أو عن طريق تأشيرات الشنغن الأوروبية منذ عام 2005، ولم أترك أي شيء للصدفة لأسافر خارج السودان.

لقد سلكت كل السبل الممكنة، لكن النجاح لم يكن من نصيبي، وربما كان هذا الإخفاق بداية لتحقيق شيء عظيم في المستقبل. ومع ذلك، لم أيأس، فما زلت عازمًا على الوصول إلى غايتي. لقد قدمت طلبات إلى عدة سفارات أوروبية، من اليونان وإسبانيا والنمسا وإيطاليا وغيرها، ولكن دون جدوى.

 كل ما أريده هو الوصول إلى إحدى هذه الدول الأربع: الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، بريطانيا العظمى، أو أستراليا، حيث يجد الإنسان فيها تقديرًا لإنسانيته، ويستفيد من مستوى المعيشة المرتفع، وجودة الحياة المتطورة، وسهولة اللغة الإنجليزية، وجوازات السفر المرموقة، والتعليم المتقدم، وقوة هذه الدول في جميع المجالات، وفرص العمل الوفيرة. بينما تبقى الدول العربية وبقية دول العالم الثالث مجرد محطات عبور، مع كامل احترامي لها.

عود إلى ما بدأناه، فقد كانت زيارتي لمصر تهدف إلى البحث عن فرصة للسفر إلى دول العالم الأول بعد محاولات عدة في السودان. كما رغبت في استكشاف هذا البلد التاريخي الذي يمنحك شعورًا بأنك عشت جميع العصور، من فجر التاريخ وحتى العصر الحديث، مع فرصة ملاحظة التشابه الكبير بين شعوب وادي النيل في العادات والتقاليد. لقد كانت رحلة سياحية ومغامرة حياتية لا تُنسى.

حين حصلت على تأشيرة مصر، اخترت أن أسلك الطريق البري الدولي المسمى (شريان الشمال) لأصل إلى وادي حلفا. كان هدفي من هذه الرحلة هو مشاهدة القرى النوبية الممتدة على الضفة الشرقية لنهر النيل العظيم، حتى لو كانت النظرة من بعيد.

كما أردت زيارة مدينة وادي حلفا الجميلة والتاريخية في أقصى شمال السودان، ولأستمتع بالسفر على طول بحيرة النوبة (بحيرة ناصر). كانت أقصى قرية زرتها شمالًا في منطقة المحس هي قرية كجبار، رمز الصمود النوبي، وذلك في تسعينيات القرن الماضي.


أنهيت في الخرطوم الجزء الأكبر من المتطلبات اللازمة للحصول على تأشيرة الدخول إلى مصر. كانت عملية روتينية ومضنية، حيث تطلبت مني وثائق مختلفة مثل بطاقة الحمى الصفراء، وتأشيرة الخروج، وبطاقة إنهاء الخدمة الوطنية.

بعد ذلك، حجزت تذكرة سفر إلى مدينة وادي حلفا، وأذكر أنني سافرت عبر سفريات وبصات "أبو خليل" الشهيرة، التي كانت تنشط بين الخرطوم ومدن وقرى شمال السودان.

تحركنا من منطقة السجانة بالخرطوم قبيل أذان الفجر، متجهين نحو مدينة الخرطوم بحري لأخذ بعض الركاب، ثم واصلنا طريقنا عبر أم درمان، حيث سلكنا طريق شريان الشمال.

 كان طريق شريان الشمال من أم درمان إلى وادي حلفا رحلة طويلة تزدان بمحطات متتابعة؛ مررنا بسوق ليبيا والقولدير وأبو ضلوع، ثم عبرنا الدبة ودنقلا والسليم، وواصلنا السير عبر القرى النوبية الأخرى مثل: فريق وكدرمة ودلقو وسعدنفنتي وأبو صارة وعبري، حتى انتهت بنا الرحلة في وادي حلفا على ضفاف النيل.

داخل وادي حلفا


مع دنوّ المساء، حط بنا البص في مدينة وادي حلفا، وكان الوقت يقارب الرابعة عصرًا. توقفنا في السوق الشعبي، بعد أن قطعنا مسافة طويلة تصل إلى نحو 930 كيلومترًا من الخرطوم.

هناك، التقيت بأحد معارفي من قرية سعدنفنتي بالمحس، حيث كنت قد نسقت معه مسبقًا عبر ابنه المقيم بالقرب منا في الخرطوم، لأقيم معه في وادي حلفا لبعض الوقت. ولحسن الحظ، كان يعمل في السوق ذاته، وهو ما سهل عليّ الوصول إليه.

مكثتُ في منزله العامر في بلوك (1)، قرابة أربعة أيام إن لم تخني الذاكرة. وله مني كل التحايا والتقدير والثناء على كرمه الحاتمي وصدره الرحب مع شخصي المتواضع، فالكلمات وحدها لا تفيه حقه.

خلال إقامتي الرائعة معه، أنهيت بعض الإجراءات الروتينية الضرورية التي تسبق السفر إلى مصر، بمساعدة ابنه الآخر، قبل الإبحار عبر ميناء الشهيد الزبير محمد صالح بوادي حلفا.

قبل موعد الرحلة إلى أسوان، 'أرض الذهب'، أُخبرنا بأن نصل إلى الميناء مبكرًا بأربع ساعات على الأقل، لإتمام كافة الإجراءات الروتينية التي تسبق صعود العبارة.

 
ذهبت مبكرًا بواسطة عربة الركشة، حتى لا أضع نفسي في مواقف حرجة. ذُهلت عند رؤية المبنى، فلم أتمكن من تمييزه جيدًا؛ هل هو مبنى لميناء نهري حيوي أم سجن للمعتقلين في دولة ديكتاتورية؟ وما يغيظ أكثر هو البطء الشديد في الإجراءات، وقلة المبادرة في تقديم النصائح والخدمات للمسافرين، كأنهم مجبرون على ذلك العمل، ولا تدفع رواتبهم على الإطلاق.

وعلاوة على كل ذلك، تُصرف أموال هائلة بلا أي مبرر، ومع ذلك تفهمت الأمر، فالفساد والرشاوى متفشية بشدة في كل مستويات الدولة، من رئيسها وحتى أدنى موظف.

صبرت على كل ذلك ودفعت بعض الأموال الجانبية، فالأمر حتمي ولا بد منه، فهدفي الأول والأخير هو مغادرة ذلك الميناء البائس والفقير والمتدهور جدًا، والوصول إلى العبارة المنتظرة في المرسى المخصص لها ببحيرة النوبة.

بعد اكتمال كافة إجراءات السفر المملة، أمرنا المسؤولون بالصعود إلى حافلة قديمة وبالية، يبدو أن عمرها يزيد على ثلاثين عامًا على أقل تقدير، وكانت وسيلة المواصلات الرسمية لنقل المسافرين من مبنى الإجراءات إلى المرسى المخصص للعبارة وبالعكس.


ركبنا تلك العربة المتهالكة على مضض، وبعد دقائق قليلة وصلنا إلى المرسى. ثم سمحوا لنا بالدخول إلى العبارة التي اسمها 'ساق النعام'، والتي أظن أن عمرها يتجاوز الخمسين عامًا. كنت هناك منذ الساعة الثانية عشر ظهرًا.


قال لي أحد المسافرين معنا، وهو رجل طاعن في السن، إن عمر هذه العبارة أكبر من عمر السد العالي نفسه! على أي حال، لم يكن هذا بحاجة إلى أي شرح من ذلك الرجل الهرم، كما يقول المثل الشعبي: «الجواب باين من عنوانه».


لفت نظري وجود مراكب متوسطة الحجم قرب مرسى وادي حلفا، جميعها مخصصة لنقل البضائع بين مصر والسودان، ويعرفها البحارة وأهل المنطقة باسم «السنابك»، وجمعها «سنبك».

انتظرنا داخل العبارة فترة طويلة، فهي لا تنطلق إلا مساءً، وتتحرك ببطء شديد عبر بحيرة النوبة الصناعية خلف السد العالي جنوبًا، متجهة نحو مصر شمالًا، وتستغرق رحلتها ذهابًا وإيابًا عدة ساعات.

بحيرة النوبة (بحيرة ناصر)


انطلقت العبارة من ميناء وادي حلفا يوم الأربعاء، 21 يوليو 2010م، عند الساعة الخامسة مساءً، متحركة ببطء شديد. داخل العبارة، شهدت مشاهد متنوعة: ركاب سودانيون من مختلف الجنسيات والقبائل، من حلفا إلى نمولي، ومن سواكن وصولاً إلى زالنجي.

كان بين ركاب العبارة من يسافر للمرة الأولى مثلي، إضافة إلى التجار والسياح والطلاب، ومن لديهم أقارب يودون زيارتهم، ومن يخطط لقضاء شهر العسل، ومن ينوون السفر عبر مصر إلى دول أخرى حول العالم، وما شابه ذلك من الأغراض.


كان من بين الركاب أعداد كبيرة من المصريين، أغلبهم من العمال العائدين من السودان لزيارة ذويهم في مختلف مدن مصر، كما تواجدت جنسيات أفريقية متنوعة، منها التشاديون والنيجيريون وبعض سكان ليبيا، إلى جانب بعض الأفراد من إثيوبيا وإريتريا والصومال، وغيرهم.

ازدحمت العبارة بالركاب والحقائب، وبالبضائع والفواكه والخضروات ومواد البناء، وغيرها من الأشياء. كنت قد حجزت مسبقًا في الدرجة العادية، فالعبارة تحتوي على عدة درجات أشهرها الدرجة السياحية، وبلغ سعر التذكرة (ذهابًا وعودة) حوالي مائة وتسعين ألف جنيه سوداني تقريبًا.

 
بعد مرور بعض الوقت، تناولنا الغداء، وكانت الوجبة متضمنة في ثمن التذكرة. وكان من الضروري أن نتحرك بسرعة للحصول عليها، لأن التأخير يعني فقدانها. وفي العبارة، كان تجار العملة نشطين في تحويل الجنيه السوداني إلى الجنيه المصري، بحيث كان الجنيه السوداني يساوي نحو ثلث قيمة الجنيه المصري.

كانت العبارة تتحرك ببطء شديد بين العلامات الدقيقة الموضوعة في البحيرة، والتي تُعرف باسم «الشمندورة». وقد أبدع الفنان النوبي المصري الكبير محمد منير، المعروف بـ «الكنج»، في تغني هذه العلامات، ويُعتبر بلا منازع من أعظم فنانين مصر.

تُعد هذه العلامات في البحيرة الضيقة بمثابة مسار آمن للعبارة. فالانحراف عنه قد يؤدي إلى كارثة واصطدامٍ بأحد الجبال المغمورة. هذا الإجراء جاء بعد حادثة مروعة سابقة أودت بحياة الكثيرين، مما دفع الحكومتين المصرية والسودانية إلى الاتفاق على وضع هذه العلامات، في خطوة حكيمة لضمان سلامة الرحلات.

توقفت العبارة فجأة داخل البحيرة عند نقطة الحدود المصرية السودانية، حيث صعد رجال حرس الحدود المصرية لإتمام بعض الإجراءات الرسمية، فكانت تلك اللحظة بمثابة إعلان عن قرب وصولنا إلى مصر.

 تتركز مهام رجال حرس الحدود في تفتيش العبارة بدقة، والقبض على الهاربين والمسجلين خطر، مع تدقيق جوازات السفر. من يثبت تورطه في مخالفات أو سوابق يُعتقل فورًا. أما الأجانب القادمين إلى مصر، فيتم منحهم ختم الدخول مؤرخًا بالغد، إذ من المخطط أن تصل العبارة إلى ميناء أسوان في صباح اليوم التالي.

مع مرور أكثر من ساعتين، بدأ الظلام يزحف في الأفق. صعدنا إلى سطح العبارة قبل غروب الشمس لأداء صلاة المغرب والعشاء معاً، والتمتع بجمال البحيرة البديع. الجبال تحيط بالمياه من كل جانب، والأمواج تتلاطم بعنف وجمال في آنٍ واحد. الطيور تعود إلى أعشاشها، والصيادون يبحرون بمراكبهم الشراعية، والشمندورات تنتظم في صفوفها كحراس صامتين. كل هذه المشاهد تتطلب شاعرًا يجيد الوصف ويضفي على المشهد الحياة بالكلمات.

 بعد أداء صلواتنا، اجتمعنا للحديث والسمر. تعرفت على مجموعة من المسافرين، كان معظمهم من شمال السودان وتحديدًا من المحس والسكوت وحلفا، كما كان بينهم مسافرون من مدن سودانية أخرى، إلى جانب بعض المصريين الذين تميزوا بخفة الدم والبساطة.


في جنح الظلام، كنا نشاهد القرى النوبية المصرية المنتشرة على ضفاف البحيرة. فالبحيرة عبارة عن تجمع مائي اصطناعي طولي، مما يتيح لك رؤية الضفتين الشرقية والغربية بوضوح. وفي بعض المناطق، كانت البحيرة تضيق لدرجة تجعلك تشعر بأن العبارة لن تمر بسلام، لكنها كانت دائمًا تعبر بأمان.

 هناك بعض الأماكن تُسمى بالجُروف، ومن أشهرها جرف حسين في مصر. وبعد فترة من الزمن، رأينا منظرًا مهيبًا وعظيمًا في الضفة الغربية للبحيرة.

في تلك اللحظة، لم أسأل رفاقي عن ذلك الأثر التاريخي الخالد والشامخ. كنت قد قرأت عنه كثيرًا، وكنت أتمنى زيارته يومًا ما، بل مجرد رؤيته ولو من بعيد. إنه أثر عظيم يحكي عظمة وقوة الإنسان النوبي النبيل.

 أخبرتهم أن المبنى الأثري المهيب ليس إلا معبد "أبو سمبل"، وصدّقوني في ذلك. شرحت لهم تاريخه المفصل، فقد قرأت عنه الكثير من الحقائق المثيرة والعجيبة، وكانوا مندهشين جدًا من شرحي، ومازحني أحدهم قائلاً إنه يجب أن أعمل يومًا ما كمرشد سياحي.

قبل إنشاء السد العالي، كان هذا الأثر التاريخي موجودًا على الضفة الشرقية لنهر النيل. وبسبب غمر موقعه الأصلي بالمياه، اتفقت الجهات المختصة على نقله إلى الضفة الغربية، لعدم وجود موقع مناسب لإعادة بنائه على الضفة الشرقية.

هذا المكان ليس مجرد معبد أو مبنى، بل هو رمز يجسد الفخر. لقد أدركت مدى إتقان المصريين للترويج السياحي، فالسياحة تعد مصدر دخل رئيسي لهم. لذا، أرى نفسي محظوظًا لأنني اخترت السفر برًا، وأوصي كل من يسافر من السودان إلى مصر للمرة الأولى أن يخوض هذه التجربة الممتعة المليئة بروح المغامرة.

في الحادية عشرة من صباح الخميس، 22 يوليو 2010، وصلنا إلى مشارف ميناء أسوان. قبل أن ترسو العبارة، مررنا بجانب السد العالي، ذلك الصرح العظيم الذي يعود بناؤه إلى فترة الستينيات من القرن الماضي.

في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرًا، رست العبارة في ميناء أسوان، الواقع على بعد مسافة قصيرة جنوب المدينة. كانت أولى مشاهدنا هناك هي البواخر السياحية الضخمة والمكونة من عدة طوابق.

علمت من أهل المعرفة أن تلك العبارات السياحية مملوكة لشركات خاصة، وأنها مخصصة لخدمة السياح الأجانب، الذين يستأجرونها في مجموعات كبيرة للقيام برحلات بحرية إلى معبد أبو سمبل التاريخي، الواقع جنوب مدينة أسوان.

مدينة أسوان الجميلة (أرض الذهب)


مغادرة العبارة ليست سهلة، بل للأسف الشديد هي عشوائية ومحزنة ومخجلة؛ فالتدافع نحو الباب شيء لا يصدق، مثل منظر الهاربين من إحدى الأسواق المكتظة والمغلقة التي اشتعلت فيها النيران فجأة وبدون سابق إنذار.

كان الجميع يدفع بعضهم بعضًا لاشعوريًّا، وكأن العبارة على وشك الغرق في أي لحظة، ولا فرق بين كبار أو صغار، رجال أو نساء، في هذا المشهد المؤسف والمخجل.

دخلنا ميناء أسوان للبدء في إجراءات الدخول والتفتيش، ولكن للأمانة شتان بين ميناء وادي حلفا في السودان ونظيره في أسوان بمصر؛ فالميناء المصري كبير المبنى ومجهز بأحدث الأجهزة.

غادرنا المكان سريعًا إلى المحطة القريبة، حيث تزخر بالناس وعربات الأجرة والمركبات الصغيرة مثل الميكروباصات، والكبيرة مثل الأوتوبيسات والحافلات، فضلاً عن القاطرات الصغيرة التي تأخذ الركاب إلى محطة أسوان الرئيسية للقطارات داخل المدينة.

صادف أن كان لدي صديق نوبي مصري من أسوان، اسمه أحمد عبد العزيز (رحمه الله)، والذي كان يلقب بياسر باجيو. كانت صداقتنا قديمة جدًا، ولديه أهل في حي العشرة بالخرطوم. قبل سفري، كان قد زودني بعنوانه ورقم هاتفه، تحسبًا لو زرت أسوان يومًا ما.

استأجرت تاكسي برفقة صديق من أبناء وادي حلفا، تعرفت عليه أثناء الرحلة بالعبارة، ولديه أقارب في النوبة المصرية. وأبلغته بأن صديقي يقيم في حي الحصايا بالمدينة.

أخبرني أنه على دراية بالحي، لكنه لم يعرف العنوان المحدد لأن منزله في أبو سمبل. نصحني بالاستفسار من سكان الحي، وقال إنني سأجد العنوان بلا شك. اقتنعت بكلامه، وركبت معه سيارة الأجرة التي ستنقلنا لاحقًا إلى وسط مدينة أسوان.

في طريقنا، كنتُ أتأمل كل شيء حولي بفضول ودهشة، فكانت تلك تجربتي الأولى في دخول مصر برًا، بل وفي مغادرة السودان على الإطلاق. لقد كانت لحظات لا يمكن أن تُمحى من الذاكرة.

شعرت بعظمة هذه الدولة من خلال المباني العريقة والمساجد والكنائس والمنازل والشوارع والشركات والمؤسسات والمستشفيات والأسواق والمدارس التي تنتشر هنا وهناك، وكل ذلك وأنا ما زلت في ضواحي أسوان الجنوبية فقط! 

ونحن نتجه شمالًا نحو قلب مدينة أسوان، مررنا بخزان أسوان، خزان يختلف عن السد العالي. بُني عام 1906م لتخزين المياه وتنظيم مياه النهر الخالد، ويقع على بعد 9.5 كيلومترات شمال السد العالي.

أنزلني صديقي في حي الحصايا، وفي يدي عنوان صديقي الذي أود زيارته. بدأت أسأل السكان عن العنوان، حتى قادتني المصادفة إلى اثنين من أقاربه الذين أشاروا لي إلى منزله. تبين أنني كنت على بعد خطوات قليلة منه. ولولا أن رقم هاتفه المحمول كان ناقصًا، لكان الاتصال به قبل الوصول أسهل بكثير.


المهم ذهبت لمنزل صديقي فهو يقيم مع أسرته الكريمة وأنا أعرفهم كلهم وكم كانت سعادتي وسعادتهم كبيرة بوصولي، فأهل أسوان مثل أهل السودان تماماً في التقاليد والأعراف والإجتماعيات، بل لا يشعر السوداني بأنه قد غادر بلده ولو لبرهة من الزمن.

وجدتُ ترحيبًا كبيرًا، فالعائلة كانت متعطشة لأخبار السودان وأخبار أقاربهم. طمأنتهم على سلامة الجميع، فقاموا بالاتصال بصديقي (رحمه الله) ليُخبروه بوصولي. جاءني صديقي على الفور، فدهشت من أن اسمه الحقيقي أحمد عبد العزيز، في حين أن الجميع يناديه بلقب "ياسر باجيو"!

بعد أن ارتحتُ قليلًا، فاتحتُ صديقي بموضوع السفر إلى القاهرة بعد يومين، وأخبرته أنني بذلك قد أوفيت بالوعد الذي قطعته له بزيارته. كان سعيدًا بقدومي، واستقبلني بكل حفاوة وكرم على طريقة أهل أسوان والنوبة.

وكما هي عادة النوبيين، أصرّ على أن أمكث معه نحو أسبوع. وأوضح لي أنه متجه إلى القاهرة بعد أيام قليلة لإتمام بعض أعماله، ويرغب أيضًا في زيارة عمه المريض هناك.

 اغتنمْتُ هذه الفرصة الذهبية لأستمتع بأسوان ومعالمها التاريخية الخلابة. وكان من دواعي سروري أن صديقي سيرافقني في رحلتي إلى القاهرة؛ فالرفقة في السفر تضفي شعورًا بالراحة والأمان، ومَن مِنّا لا يؤمن بمقولة: "الرفيق قبل الطريق"؟.

خبايا أسوان الجميلة

في صباح اليوم التالي، انطلقتُ مع صديقي ياسر في جولة لاستكشاف المدينة. لم يكن هناك دليل أفضل منه، فهو ابن أسوان ويعرف كل تفاصيلها. لفت انتباهي منزل عائلته، الذي يتميز بتصميمه النوبي الأصيل، كما هو حال معظم بيوت حي الحصايا.

لفت انتباهي التشابه الكبير بين منازل أسوان، كما لاحظت أن معظم سكانها من النوبة، الذين ينقسمون إلى مجموعتين: الكنوز والفاديجا. فالكنوز يتحدثون لغة نوبية مطابقة للغة الدناقلة "الأوشكر"، أما الفاديجا فلغتهم قريبة من لغة أهل المحس والسكوت وحلفا.

يقع منزلهم في منطقة سكنية مرتفعة وقريبة من كورنيش أسوان ومحطة القطارات الرئيسية. ورغم الكثافة السكانية، كانت المنطقة تتمتع بهدوء ونظافة ملحوظين

في أسوان توجد جالية كبيرة من أهل السودان، وتوجد أيضًا جالية كبيرة من الصعايدة والفلاحين، وتُعد بمثابة مصر مصغرة. أحياؤها وحاراتها تخبرك بأنها مدينة عركها التاريخ واستقت منه الكثير. ومعظم شوارعها مسفلتة، وأحياؤها جميلة.

في هذه المدينة الساحرة، يوجد نظام صرف صحي متكامل، وهو ما يثير الدهشة لكونه غير متوفر في معظم مدننا، وحتى في الخرطوم نفسها. أسوان مدينة منظمة، تعج بالمباني الحديثة التي تمنحها طابع المدن العصرية.

تُسمى الأسواق الصغيرة بـ"الشوادر" وجمعها "شادر". حين قال لي صديقي إننا سنبدأ زيارتنا للمدينة من الشادر القريب، خطر ببالي فيلم الراحل أحمد ذكي "شادر السمك". لم أحتج لسؤاله عن معنى "شادر"، فقد فهمت ذلك مباشرة.

افي الشادر هناك نظام واضح، والبقالات والمحلات التجارية مرتبة، والأسعار زهيدة جدًا، ما يسمح للجميع بشراء وبيع ما يرغبون من خضار وفواكه وخبز ومواد غذائية. اللحوم كانت تمثل استثناءً قليل الصعوبة في شرائها. 

لا أنسى أن كيلو الطماطم هناك كان يُباع بثلاثة جنيهات فقط، بينما كان في الخرطوم يتجاوز خمسة وعشرين جنيهًا، والجنيه السوداني يعادل أكثر من جنيهين مصريين، فالفارق في الأسعار كان مذهلًا.

ذهبنا إلى محطة القطار الشهيرة على كورنيش النيل لشراء تذاكر إلى القاهرة. لكن موظف الحجز أخبرنا أن النظام لا يسمح بحجز التذاكر لأكثر من يومين مقدمًا، وأنه لا يستطيع أن يؤمن لنا تذاكر للأسبوع المقبل. تفهمنا هذا الإجراء، وقررنا العودة بعد خمسة أيام.

كانت وجهتنا التالية هي كورنيش أسوان الجميل. كان شارعًا طويلًا وفسيحًا، يكتظ بالمتاجر والشركات والبنوك والمطاعم والمقاهي. في الجهة المقابلة، كان شاطئ النيل، حيث ترسو المراكب السياحية الفخمة التي تنقل الزوار في رحلات ممتعة، تبدأ من أسوان وتستمر إلى الأقصر، وأحيانًا حتى القاهرة.

لاحظت وجود الأجانب بكثرة، وكأنني في مدينة أوروبية عريقة. وفي منتصف النهر العظيم تقع جزيرة خضراء خلابة، تضم مبانٍ ضخمة وفنادق حديثة ومزارات سياحية، وقال لي صديقي إنها تُسمى (جزيرة أسوان).

 لم أرَ جزيرة بهذا الجمال والخضرة في حياتي. كما رأيت على الطرف الغربي للنهر معابد نوبية قديمة تروي تاريخ النوبة وعظمتها عبر القرون الماضية وحتى الآن.


مثلها مثل أي مدينة مصرية كبرى، أسوان لا تنام، فالحركة فيها دائمة ونشطة. محلاتها ومقاهيها ومطاعمها ومؤسساتها منتشرة في كل مكان، مما يجعلها مدينة نابضة بالحياة. لقد قضيت ليلة جميلة وممتعة في هذه المدينة الساحرة، التي ظلت تُعرف بـ"أرض الذهب" عبر التاريخ.

في الأيام اللاحقة، استكشفنا كل ركن في أسوان. زرنا المتحف النوبي ومعبد فيلة وجزيرة ألفنتين ومقبرة آغا خان. كما قمنا بزيارة شارع عباس محمود العقاد، تكريمًا للأديب والشاعر والصحفي العظيم الذي وُلِد في هذه المدينة. لم تخلُ جولتنا من المرور باستاد أسوان، حيث توجد العديد من الجمعيات الفنية والمنتديات النوبية.

الأحياء الأسوانية عريقة جدًا وتحمل طابعًا تاريخيًا، وبعضها يحمل أسماء قبائل سودانية أو قبائل مشتركة بين السودان ومصر، مثل البشارية والعبابدة وغيرها.

في إحدى الليالي، وفي طريق العودة من عزاء، سمعتُ موسيقى سودانية تنبعث من أحد الأفراح المقامة في الحي. قال لي صديقي ياسر إن الأغاني السودانية تحظى بشعبية كبيرة في أسوان، بل قد تكون أكثر شعبية من الأغاني المصرية. وأشار إلى وجود قنصلية سودانية والكثير من الجمعيات والمنتديات الفنية السودانية في المدينة.

أهل أسوان والنوبة تقريبًا على دراية كاملة بكل فناني ومطربي السودان، ويكنون للسودان والسودانيين محبة عميقة. وقد شهدت ذلك عن قرب، كما شاهدت بعض القرى النوبية المجاورة لأسوان، والتي حافظت على عاداتها وتقاليدها النوبيه منذ أزمنة بعيدة.

دائمًا ما تكون دور العبادة في مصر مكتظة بالمصلين. وما يميز المساجد هو جمالها الخارجي الجذاب، وبهاؤها الداخلي الرائع، وطرازها المعماري الذي يعكس عظمة المسجد وقيمته التاريخية. ويبدو أن معظم الأئمة درسوا في جامعة الأزهر، ويرتدون القبعات التقليدية المميزة لخريجيها.

في أسوان، التي تُعرف بـ "أرض الذهب"، يعيش عدد لا بأس به من الأقباط الأرثوذكس. سكان المدينة يتميزون بكرمهم وطيبتهم، فهم يتعاملون مع الجميع برُقيّ وأدب، تمامًا كما هو الحال في المدن والقرى المصرية.

تُعرف مصر بامتلاكها شبكة قطارات واسعة ومحطات كبيرة، وتُعتبر محطة أسوان من أبرز هذه المحطات. حركة القطارات فيها متواصلة على مدار اليوم، فهي المحطة النهائية جنوبًا، وتشكل البوابة الرئيسية لمحافظة أسوان المتاخمة للحدود السودانية.


في أسوان، يجد الزائر أنواعًا متعددة من القطارات مثل القطار الفرنسي والإسباني والقشاش، ويُعد القطار الإسباني أشهرها. وحركة الحجوزات على هذه القطارات لا تهدأ طوال الأسبوع، سواء للركاب القادمين أو المغادرين، ما يعكس النشاط الدائم لهذه المدينة.

يسافر الناس من أسوان إلى وجهات متعددة في أنحاء مصر، مثل قنا، وسوهاج، وأسيوط، والمنيا، وسمالوط، وبني سويف، وبني مزار، والأقصر. ومنها إلى القاهرة الكبرى، ثم إلى السويس، بورسعيد، الإسماعيلية، رشيد، دمياط، طنطا، المحلة الكبرى، والإسكندرية، ومرسى مطروح.


 عندما تتواجد هناك لا تشعر بالوقت وهو يمر أبداً، صراحة تأسفت لحال السودان ولحال القطارات به، فالسودان دولة عريقة في هذا المجال فمنذ العام 1899م تقريباً (الإستعمار البريطاني) والقطارات تعمل هناك ولكننا ربما لم نزد ولو قطاراً واحداً، وهو جانب مهم جداً وحيوي لإقتصاد البلاد فالسفر بالقطار أسهل وأسرع وأمتع وأأمن من كل شئ ولكن (لا حياة لمن تنادي)، فمصر تستفيد إستفادة كبرى وعظيمة من حركة القطارات داخل محطاتها الكبيرة والعظيمة وكذلك محطاتها المتوسطة والصغيرة، وقد شاهدت كل ذلك بأم عيني وهي وسيلة عظيمة وإقتصادية ولا تقدر بثمن.
مكثت قرابة الأسبوع بمدينة أسوان الجميلة وهي مدينة رائعة الجمال، وعدد سكانها كُثر أكثر من 220 ألف نسمة، ولكن فرحتي لم تكتمل لأنني لم أحمل معي آلة تصوير (كاميرا) في ذلك الوقت، ولكني أحتفظت بكل تلك اللحظات والذكريات الجميلة والسحرية داخل عقلي وقلبي ولن أنساها إلى الأبد.
 بعد أيام قليلة تحصل صديقي الراحل ياسر (أحمد) على تذكرتين ولكن فرحتنا لم تكتمل هذه المرة أيضاً لأن التذكرتان حتى مدينة أسيوط وبعد ذلك سنقف داخل القطار حتى القاهرة لأن هنالك من سيأخذ مكاننا ومقاعدنا من مدينة أسيوط ولكن هذا لا يعني بأن التذاكر غير متوفرة حتى القاهرة بل هي متوفرة حتى (القاهرة – الإسكندرية) ومن مدينة أسوان نفسها، ولكنه أقنعني بأن الوقت ليس في مصلحتنا خاصة وأن شهر رمضان كان على الأبواب وإنتظارنا حتى نحجز للقاهرة مباشرة سيأخذ منا زمناً طويلاً.
وافقت على فكرته فهو أدري مني بمثل هذه الأمور ولا مشكلة لدي البتة فقد كنت سعيداً جداً لأني سأزور القاهرة الكبرى (قاهرة المعز) فلم يكتب الله لي بمشاهدة القاهرة إلا عن طريق وسائل الإعلام المختلفة والصحف والمجلات أو عن طريق قصص وحكايات أقربائي وأصدقائي الذين زاروها من قبل، ولكن هذه المرة الأمر مختلف تماماً، وقد كان مختلفاً حقاً.

قطار الصعيد 
بالثانية تحركنا وكما هو مدون تماماً بالتذكرة وكان ذلك قبيل صلاة المغرب من محطة أسوان، سمعت أصوات عجلات القطارات وهي ترتفع رويداً رويداً إيذاناً ببدء رحلة طويلة وممتعة ومنتظرة، كانت مغامرة حقيقية ومثيرة، وصوت صافرة القطار العالية (الكليتون) يؤذن بالرحيل المرتقب، وكل راكب قد أخذ مكانه وودع أهله تواً سواء من على الرصيف أو من خلال نوافذ القطر، عندها كنا نفارق مدينة أسوان الرائعة وأهلها الطيبون ولأول مرة أحزن عند مفارقتي لإحدى المدن في حياتي، فهذا الأمر لم يحدث معي أبداً عندما كنت في السودان!.
 كنت أجلس بالقرب من النافذة الزجاجية للقطار تحديداً في الجانب الشرقي له (الأيمن)، أرنو وأتجول وأستمتع بناظري من كل مكان، شاهدت القرى النوبية المتناثرة هنا وهناك والقطار يزيد من سرعته كل مرة والغروب على الأبواب والقرى المنيرة بدأت تظهر كمحار متنثارة على رمال الشواطئ البيضاء في ضوء القمر الساطع.
مناظر بديعة وخلابة وجميع القرى هي قرى زراعية متاخمة للنيل وضفتيه، كل مسافر يلاحظ وجود أشجار النخيل وبكثافة على ضفتي النهر الخالد، والزراعة عند المصريين فن ووراثة وتكييف وتكيف ومتعة وإتقان وثقافة وحب وإنتماء، فهم يجيدون الزراعة حيث لا يوجد حقل زراعي خالي من النباتات والشتول المزهرة والمثمرة والكثيفة والمخضرة والغنية بكل شئ، يزرعون الأرض طوال العام وبصورة مستمرة ودائمة وبحرص تام، الإنتاج وفير وغزير.
 مناظر القرى رائعة وهي كلها عبارة عن عمارات صغيرة وبيوت عادية ولكن بالطوب الأحمر والحقول الزراعية التي بجانبها تسر الناظرين وتحمد الله على سفرك عن طريق القطار. 
بعد مسافة ليست بالقصيرة وصلنا إلى مدينة (دراو) وهي أولى محطات القطار بعد أسوان شمالاً وهنالك نزل بعض ركاب مدينة دراو وصعد آخرون ذاهبون للمحافظات الشمالية أو القاهرة الكبرى.
بعد فترة قصيرة وصلنا مدينة (كوم أمبو) الشهيرة وهنالك توجد محطة قطار ولكنها ليست كبيرة مثل محطة قطار مدينة أسوان، أيضاً نزل بعض الركاب وصعد آخرون والقطار لم يتوقف كثيراً فهو مرتبط ومبرمج بزمن محدد.
إنطلقنا من مدينة كوم أمبو تجاه الشمال وعلى الضفة الشرقية من نهر النيل العظيم، وفي الطريق كنا نلاحظ ونشاهد القطارات التي تتجه من القاهرة صوب أسوان جنوباً، فكل خط سكة حديد بمفرده، منعاً للإصطدامات وحوادث السير والطرقات والقطارات التي كانت تحدث كثيراً في الماضي، كما أن الخطوط الخاصة بالعربات العادية (شوارع الأسفلت) تبعد قليلاً عن سكك حديد القطارات وكل الخطوط قريبة جداً من نهر النيل، والحركة لا تتوقف في كل الخطوط وهذا إحساس جميل وتستشعر فوراً قيمة ذلك البلد.
 وصل القطار بعد مدة ليست بالقصيرة محطة مدينة (إدفو) وهي مدينة متوسطة الحجم وأعتقد وجود جسر نيلي يحول إتجاه السكة الحديدية الخاصة بالقطار من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية للنيل إن لم تخني الذاكرة، وكالعادة نزل بعض الركاب وصعد آخرون متجهين صوب مدن ومحطات الشمال.
ثم إتجهنا شمالاً مرة أخرى ولاحظت في كل مرة أن القطار لا يتوقف كثيراً ربما يتوقف لمدة 10 دقائق فقط ولكن كل المسافرين يعرفون مواعيدهم سواء من يريد النزول أو من ينتظر وصول القطار لكي يلتحق به في المحطة الخاصة به، وصل القطار هذه المرة مدينة (إسنا) على الضفة الغربية من النهر وهي مدينة متوسطة الحجم ومعظم سكانها من أهل الصعيد.
 إنطلق القطار مرة أخرى نحو الشمال صوب مدينة الفراعنة ومدينة التاريخ والعظماء (مدينة الأقصر) وعاصمتها في حقب كثيرة وهي محافظة بحد ذاتها، كما أنها مدينة تاريخية مشهورة جداً بمعابدها التاريخية وبوجود وادي الملوك بها، وطريق الكباش ومدافن ومعابد الفراعنة والحكام المصريين القدماء، والحديث عن هذه المدينة التاريخية والسياحية يطيل ويطول ولكننا لم نطأ أرضها إلا عن طريق القطار، كان القطار هذه المرة في الضفة الشرقية للنيل العظيم.
 وفي تلك المدينة كما توقعت نزل عدة ركاب وصعد ركاب كثر فهي مدينة بكل ما تحملها الكلمة من معنى تجمع وتربط الماضي بالحاضر وحتى بالمستقبل، عند توقف القطار هناك تشعر بأن التاريخ يعيد نفسه من جديد ويمر من أمامك وخلفك، حيث تفتخر بأنك في يوم ما قد مررت بهذه المدينة التاريخية العريقة جداً.
القطار لم يقف قليلاً في هذه المدينة كما كان يقف في المدن الأخرى التي ذكرتها سابقاً والتي تقع ما بين أسوان والأقصر لكثرة حركة المسافرين بها، ومن ثم إنطلقنا تجاه مدينة متوسطة الحجم تسمى بمدينة (قوص) حيث توقف القطار بها قليلاً.
 ثم إنطلق مرة أخرى نحو الشمال حتى وصلنا مدينة معروفة وكبيرة وهي مدينة (قنا)، فهي من محافظات مصر في الصعيد، تسمى بنفس الإسم (قنا) وكل القرى النوبية وقرى الصعايدة وغيرهم والتي تقع جنوب القاهرة وحتى الحدود السودانية تسمى بالوجه القبلي أو منطقة صعيد مصر وكلمة الوجه القبلي ليست غريبة على أهل الشمال في السودان وبالأخص (النوبة) فهي تعني (الجنوب) وكلمة بحري تعني (الشمال)، لذا سميت القرى والمدن التي تقع شمال القاهرة (منطقة الدلتا ومحافظات الشمال) بالوجه البحري لأنها قريبة من ساحل البحر الأبيض المتوسط.
بعد حركتي الصعود والنزول للركاب بقنا، إتجهنا مرة أخرى صوب الشمال قاصدين القاهرة ولكن قبل ذلك لا بد وأن يمر القطار بعدة مدن كبيرة، كذلك ببعض المحافظات المشهورة.
 داخل القطار كان هناك نشاط غير عادي من الباعة ومن موظف القطار المسئول عن التذاكر، داخل القطار شئ رائع حيث المقاعد الفاخرة والوثيرة والكبيرة والتكييف الجميل والإضاءة الجيدة، كما تجد أيضاً باعة الصحف اليومية وباعة الأطعمة الجاهزة والعصائر والمكسرات وما إلى ذلك حيث لديهم تصاريح بالبيع ومراقبون من قبل المسئولين بإستمرار، فعندما تكون داخل القطار تشعر وكأنك في سوبر ماركت كبير لذا لم نشعر بطول المدة وبإرهاق السفر الطويل، بل لم نشعر سوى بالمتعة وبروح المغامرة، فالمسافة طويلة جداً ما بين مدينة أسوان والقاهرة الكبرى ونحن ما زلنا في الليل، والليل ما زال طفلاً يحبو.
 وصل القطار مدينة (دشنا) وهي مدينة صغيرة والحركة بها عادية مقارنة مع باقي مدن الصعيد الكبرى والقطار لم يقف بها كثيراً.
بعد ذلك وصلنا مدينة معروفة بسكانها الصعايدة سواء من المسلمين أو الأقباط المسيحيين، إنها مدينة (نجع حمادي)، للأسف الشديد، قد حصلت حادثة مشهورة وفتنة طائفية في نفس هذا العام (2010م) ما بين المسلمين والأقباط المسيحيين الأرثوذوكس وتحديداً في بلدة (دير مواس) شمال المدينة الكبرى حيث طالب المسلمين القساوسة المسيحيين بتسليمهم للسيدة (كاميليا شحاتة) لأنها أعلنت إسلامها ولا يجوز حبسها داخل الكنيسة، بينما نفى القساوسة والآباء الكهنة هذا الأمر وحصلت مشاكل وصدامات كثيرة بينهما تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة حينها، فقدت الكثير من الأرواح من الجانبين.
مدينة نجع حمادي تعتبر مدينة كبيرة وبها سكان كثُر، كما أنها مشهورة بالحركة التجارية وبالمحاصيل الزراعية، وبها مساجد وكنائس كبيرة، ولكن الفتنة لا دين ولا أخلاق لها!
 توقف القطار هناك أيضاً لدقائق معدودة ثم إتجه شمالاً نحو مدينة (البليانا)، مدينة أخرى صغيرة في الصعيد، وصلنا بعد ذلك مدينة (جرجا) وهي مدينة متوسطة الحجم ومدينة زراعية وبها أيضاً مسيحيون ومسلمون ونزل من نزل وصعد من صعد على متن القطار.
بعد فترة قصيرة أدركنا مدينة (سوهاج) المشهورة، وهي محافظة قائمة بذاتها ومعروفة جداً، وقد وصلناها في وقت متأخر من الليل فهي مدينة كبيرة جداً وعاصمة محافظة سوهاج نفسها، بها نشاط كثيف أيضاً في عدة أصعدة والحركة فيها لا تتوقف أبداً، صعد ركاب كُثر ونزل بعض الركاب وإمتلأ القطار هذه المرة أكثر من ذي قبل.
وصل القطار بعد ذلك مدن وبلدات صغيرة في الطريق نحو الشمال مثل مدينة (طهطا) وهي مدينة العالم والفقيه المعروف (رفاعة رافع الطهطاوي)، كما توقفنا قليلاً بمدينة (طمـــا) الصغيــرة إن لم تخني الذاكـــرة.
كانت المدن كثيرة والمحطات متنوعة والحكومات المصرية المتعاقبة ومنذ الأسرة العلوية إهتمت بهذا الجانب الحيوي والمهم كثيراً، فالمحطات تتشابه في طريقة البناء وفي أرصفتها وفي بواباتها وفي كل شئ وكأنك تمر بنفس المحطة بعد كل نصف ساعة.
عندما وصلنا مدينة ومحافظة (أسيوط) الشهيرة والقابعة على ضفاف النيل شرقاً، كنا قد قطعنا أكثر من نصف الطريق ما بين مدينة أسوان والعاصمة المصرية القاهرة الكبرى، ومدينة أسيوط أيضاً مدينة كبيرة جداً وهي مسقط رأس الرئيس المصري الراحل (جمال عبد الناصر) وكذلك مكان ميلاد والد العالم والمفكر الإسلامي (جلال الدين السيوطي)، فهي مدينة لا تقل عن باقي المدن المصرية الكبرى في شئ لأن بها كل شئ وأي شيء، فهي مدينة صناعية ورياضية وتجارية وزراعية وثقافية ونفطية وبها مصنع ضخم للإسمنت، كما بها سكان مسلمون ومسيحيون أيضاً وتعدادهم كبير جداً، وحدثت بها أيضاً عدة فتن طائفية ما بين المسلمين والمسيحيين بكل أسف.
في هذه المدينة بالتحديد قمنا بمبارحة مقاعدنا الوثيرة لركاب آخرين فقد قطعنا تذاكرنا من قبل وكما ذكرت سابقاً من مدينة أسوان حتى أسيوط فقط لأننا لم نجد تذاكر مباشرة حتى القاهرة الكبرى.
كان لدينا خياران حينها، إما النزول من القطار ومن ثم حجز تذكرتين من محطة مدينة أسيوط حتى القاهرة إذا ما أردنا الجلوس على المقاعد ولكن علينا أن ننتظر القطارات الأخرى القادمة من أسوان، أو مواصلة الرحلة في نفس القطار وبدون دفع أي شئ من المال ولكن علينا أن ندبر أماكن وقوفنا بأنفسنا، وكان الخيار الثاني هو الحل الأمثل.
 بعد ذلك إنطلق القطار بنا حتى مدينة (منفلوط) وكلنا نعرف من هو (مصطفى لطفي المنفلوطـــي)، ذلك الرجل الشاعر والصحفي والأديب المصري الشهير فهو من هذه المدينة المتوسطة الحجم وليست كبيرة كفاية إذا ما قورنت ببقية المدن التي في الصعيد المصري والقطار لم يقف بها كثيراً.
كنا في ذلك الوقت أنا وصديقي قد وجدنا مكاناً مناسباً ما بين عربتين في القطار، حيث كانت منطقة مغلقة من الأسفل وبها شبابيك عريضة وتدبرنا أمورنا ببعض صناديق المياه الغازية وكنا نتبادل أماكننا ونتسامر سوياً ولم نشعر بالوقت أبداً وإنضم إلينا أحد أصدقاء ياسر وهو من النوبة المصريين (ظننته سودانياً في في أول الأمر)، بعد فترة قصيرة وصل القطار إلى مدينة (ملوي) وهي أيضاً مدينة متوسطة الحجم، وقد غادرناها مسرعاً.
بعد مغادرتنا مدينة (ملوي) وصلنا مدينة مشهورة جداً وهي مدينة (المنيا) وهي عاصمة محافظة المنيا وبهذه المدينة الكبيرة تجد كل شئ أيضاً، ومحطتها كبيرة جداً وقد رأينا ضخامة هذه المدينة عن قرب وصعد منها ركاب كثر ونزل آخرون أيضاً، وهي مدينة الفنان الشعبي ماهر المنياوي (الصعيدي)، وهو نجل الفنان الشعبي الكبير مكرم المنياوي، مدينة عريقة وبها نشاط واسع في كل شيء ورائعة المنظر، حيث تحيط بها مناطق زراعية كبيرة وسكانها تقريباً كلهم من الصعايدة وبها أيضاً أتباع الديانة المسيحية الأرثوذوكسية، كما بها دور كثيرة للعبادة وجامعة مشهورة وهي جامعة المنيا، وهي مدينة تجارية وصناعية أيضاً.
بعد ذلك وصلنا مدينة (سمالوط) إن لم تخني الذاكرة وهي مدينة طبق الأصل من باقي مدن الصعيد المصرية ولم نقف بها كثيراً، ثم توقف بنا القطار بعد برهة من الزمن  بمدينة (بني مزار) وعند وصولنا لهذه المدينة كان الصبح قد دخل علينا وبدأنا نرى كل شئ بوضوح تام.
ثم وصلنا مدينة (مغاغة) وهي أيضاً مدينة متوسطة الحجم والسكان، بها حركة دائمة ونشاط منقطع النظير، كما أنها مدينة زراعية وتجارية كحال معظم المدن التي في الصعيد المصري أو في الوجه القبلي كما ذكرت سابقاً.
بعد ظهور أولى خيوط الفجر ورؤيتنا لضوء الشمس الذهبي الساطع لكل محافظات ومدن وقرى الصعيد وصل بنا القطار مدينة مشهورة جداً وهي آخر المحطات في الصعيد المصري (الوجه القبلي) قبل الدخول إلى مدينة القاهرة الكبرى، إنها مدينة (بني سويف) الجميلة، فهي تقع شرق المدينة الأجمل في الريف المصري كله تقريباً وهي مدينة الفيوم، وهي أيضاً محافظة قائمة بذاتها تسمى أيضاً بمحافظة (الفيوم) والتي بها بحر يوسف وبركة قارون وهي المدينة التي عاش فيها قارون والمذكور في القرآن.
 بالعودة إلى مدينة بني سويف، فقد وجدناها مدينة رائعة الجمال، بها جامعة عريقة وتعج بالسكان، ومعروفة بالتجارة والسياحة، بها نادي رياضي يسمى بتلفونات بني سويف، وتوجد بهذه المدينة كل مقومات الحياة العصرية ولديها محطة قطارات كبرى، هنالك توقف القطار لمدة ليست بالقصيرة وكالعادة نزل البعض وصعد آخرون وهذه المرة كان العدد كبيراً نوعاً ما فالكل كان يريد الوصول إلى القاهرة مع صباحات هذا اليوم عبر مدينة ومحافظة (الجيزة).
إتجه القطار بنا نحو الجيزة عند الساعات الأولى من صبيحة ذلك اليوم الذي لن أنساه أبداً في حياتي، نزل بعض الركاب في ضاحية الجيزة بينما معظمهم ظلوا باقين في أماكنهم يريدون الوصول إلى محطة مصر (محطة رمسيس) في قلب القاهرة. 

في محطة مصر
وصل بنا القطار ضاحية الجيزة الجنوبية، وهي محافظة بحد ذاتها ولكنها من ضمن مدينة القاهرة الكبرى فالقاهرة وحلوان (وهي الأخرى كانت محافظة بحد ذاتها) تقعان شرق نهر النيل ومعهما الجزء الجنوبي من محافظة القليوبية، بينما الجيزة ومعها مدينة 6 أكتوبر (كانت محافظة أيضاً) تقعان غرب النيل وكل هذه المحافظات تشكل معاً منطقة القاهرة الكبرى مثل مدن (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري) فهي جميعها تشكل العاصمة المثلثة بالرغم من وجود بعض التقسيمات الإدارية التي تقسمهم إلى معتمديات كبيرة.
للعلم في مصر المحافظة توازي الولاية في السودان وعدد محافظات مصر 27 محافظة وهي: (القاهرة - الإسكندرية – البحيرة – المنوفية – دمياط – كفر الشيخ - الدقهلية - الغربية - الشرقية - أسوان - قنا - الأقصر - سوهاج - أسيوط - المنيا - الفيوم - بني سويف - الجيزة - مرسى مطروح - الوادي الجديد - جنوب سيناء - شمال سيناء - البحر الأحمر - السويس - الإسماعلية - بور سعيد – القليوبية).
إتجه القطار بنا هذه المرة نحو محطة مصر (محطة رمسيس) وهو يشق طريقه عبر مدينة الجيزة وهنا ظهرت العمارات الضخمة والمباني التاريخية العملاقة والعتيقة والأحياء الشعبية وكذلك الأحياء الراقية والحدائق والمتنزهات والمؤسسات والمساجد الكبيرة والمعابد والشوارع الواسعة وصخب وضجة الزحام وكل شئ، وكما توقعتها تماماً فنحن في قلب إحدى أكبر وأعظم وأشهر العواصم في أفريقيا والوطن العربي، بل حتى في العالم، توقف القطار قليلاً في محطة عادية ونزل بعض الركاب ولكن لم يصعد أحد لإقترابنا من محطة مصر.
 عندما وصل بنا القطار جسر (إمبابة) الشهير شاهدنا نهر النيل وهو يشق مدينة القاهرة ويقسمها إلى قسمين (شرق وغرب)، وعلى الجنوب من هذا الجسر الشهير وكما هو معروف للكل تقبع مباني مشهورة جداً طالما رأيناها مراراً وتكراراً عبر وسائل الإعلام المختلفة وأول ما لفت إنتباهي هو مبنى الإذاعة والتلفزيون الشهير (الماسبيرو) بالقرب من جسر 6 أكتوبر في الضفة الشرقية ويقع على الجنوب منه مباشرة فندق هيلتون رمسيس، جميعهم يعانقون نهر النيل من الضفة الشرقية، ولا يفوتني أن أذكر محور 6 أكتوبر وبالقرب منه ميدان عبد المنعم رياض ومتحف مصر القومي وميدان مبنى التحرير وكبري قصر النيل ومبنى جامعة الدول العربية وفندق سمير أميس إنتركونتنينتال والجامعة الأمريكية وكل ذلك في وسط البلد وقد قمت بزيارة هذه المعالم عدة مرات فيما بعد، وهي معالم متقاربة ومتجاورة مع بعضها البعض.
منظر النيل في القاهرة مهيب ورهيب وساحر خاصة بالليل فكل شبر تم الإستفادة منه وهو الوريد الحيوي لكل القاهرة بل لكل مصر، القاهرة غنية بمعالمها التاريخية العريقة وتحتاج منا إلى مئات الصفحات للحديث عنها ووصفها، والإنسان لا يمل من الحديث عن القاهرة أبداً.
أخيراً جداً، وصل القطار محطة رمسيس (محطة مصر) في وسط البلد وهي واحدة من أكبر محطات القطارات في أفريقيا والشرق الأوسط وهي نقطة تجمع كل قطارات مصر ومن مختلف الوجهات والمحافظات والمدن والحركة بها لا تتوقف أبداً فهي تعمل كخلية نحل ومصدر دخل كبير ومهم لخزانة الدولة المصرية.
ربما حركة القطارات تحدث بعد كل ربع أو ثلث أو نصف ساعة (من وإلى المحطة)، جُل القطارات الموجودة هناك قطارات حديثة ويتم الإعتناء بها جيداً، وبصيانتها بصورة دورية، وكذلك تغييرها بموديلات حديثة إذا لزم الأمر، حيث لم أتعجب من ضخامة هذه المحطة العملاقة ونتمنى أن نجد مثل هذه المحطة في كل دول المنطقة.

القاهرة  ولياليها الحالمة
غادرنا القطار بكل هدوء، كان في إنتظارنا وبالقرب من (مسجد النور) الشهير بوسط البلد وبالقرب من المحطة صديقي (شرف الدين سعيد) وهو من أبناء أردوان المحس وكان يقيم في القاهرة منذ سنين عدة وقد جاء إليها بغرض السفر إلى أمريكا ولكنه لم يوفق في ذلك وعمل بعد ذلك في تأجير الشقق وتعرفت عليه عن طريق أحد أقاربي.
 بعد أن تصافحنا توجهنا مباشرة نحو محطة (مترو الأنفاق) ولأول مرة في حياتي أرى المتـــرو علناً فقد رأيته عبر الأفلام والمسلسلات المصرية وعبر وسائل الإعلام المختلفة، ولمعرفة محطات المترو المختلفة تجد بالقرب من مداخلها وبواباتها  الرئيسية كلمة Metro الفرنسية، وهي مكتوبة في لافتات مضيئة ودائماً ما تكون لمحطات المترو أربع مداخل رئيسية، وليست كل المحطات أو خطوط المترو مغطاة أو في باطن الأرض كما يعتقد البعض، فبعضها غير مغطاة خاصة المحطات التي تبعد عن وسط البلد.
هنالك خط مشيد تحت قاع نهر النيل وهو الخط الرابط ما بين محطة (السادات) في ميدان التحرير ومحطة (الأوبرا) في منطقة الجزيرة الرائعة قبل الدخول إلى محافظة الجيزة، وأقرب محطة مترو لمحطة مصر هي (محمد حسني مبارك) وقد تغير هذا الإسم بعد قيام ثورة 25 يناير 2011م إلى محطة (الشهداء) تكريماً للشهداء الذين ثاروا ضد حكم الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك نفسه.
 تنقلنا نحن الثلاثة عبر ممرات وردهات وسلالم ذلك المشروع الضخم والذي إنجز في ثمانينيات القرن العشرين لمساعدة المصريين على التنقل من وإلى وسط القاهرة وللحد من الزحام غير العادي في القاهرة الكبرى، حيث قمنا بشراء التذاكر الصفراء ذات الخطوط السوداء والخاصة بالمترو وهي تذاكر تستخدم لرحلة واحدة فقط وكان ثمنها (جنيهاً واحداً فقط).
 لم نقف طويلاً في المحطة ولم ننتظر القطار السريع كثيراً فقد أتى قطار المترو بعد 5 دقائق أو أقل منذ لحظة وقوفنا هناك وهي تسير بسرعة كبيرة جداً وتقف في المحطة عادة لمدة دقيقتان تقريباً، الشخص الذي يريد النزول في محطة ما عليه أن يكون قريباً من البوابات الآلية لقطار المترو وعليه أن ينزل مسرعاً من القطار ومن يريد الصعود عليه أن يقف على حافة رصيف المترو لكي يصعد مسرعاً، وهي عملية منظمة ورائعة جداً وكل الركاب يعرفون كيف يتصرفون.
 المهم، صعدنا نحن الثلاثة على متن المترو وكان ممتلئاً للآخر فخطوط مصر حتى ذلك الوقت كان خطان فقط هما: (خط المرج – حلوان)، وكذلك خط (شبرا – المنيب) وسمى فيما بعد بخط (شبرا - الجيزة)، فهذا المترو يعمل يومياً كما علمت بعد ذلك بأيام من الساعة 5:30 صباحاً إلى الساعة الــ 12 ليلاً في فصل الشتاء، بينما يعمل صيفاً من الساعة 5:30 صباحاً إلى الساعة الـــ 1 صباحاً.
فيما بعد حفظت محطات المترو في القاهرة عن ظهر قلب فالخط الأول هو خط (المرج – حلوان) ويضم محطات عديدة وهي: (عين حلوان - جامعة حلوان - وادي حوف - حدائق حلوان – المعصرة - طرة الأسمنت - كوتسكا - طرة البلد - ثكنات المعادي – المعادي - حدائق المعادي - دار السلام - الزهراء - مار جرجس - الملك الصالح - السيدة زينب - سعد زغلول – السادات - جمال عبد الناصر - أحمد عرابي – الشهداء (حسني مبارك سابقاً) - غمرة - الدمرداش - منشية الصدر - كوبري القبة - حمامات القبة - سراي القبة - حدائق الزيتون - حلمية الزيتون – المطرية - عين شمس - عزبة النخل – المرج - المرج الجديد).
ويضم الخط الثاني ويسمى بخط (شبرا الخيمة – الجيزة) محطات عديدة وهي: (المنيب - ساقية مكي - ضواحي الجيزة - محطة الجيزة – فيصل - جامعة القاهرة – البحوث – الدقي – الأوبرا - السادات (متقاطع من الخط الأول) - محمد نجيب - العتبة (متقاطع من الخط الأول) – مسرة - روض الفرج - سانتا تريزا – الخلفاوي – المظلات - كلية الزراعة - شبرا الخيمة)، وهنالك خط ثالث تحت الإنشاء وربما تم إفتتاح جزء منه ويبدأ من مطار القاهرة الدولي في شرق القاهرة ويمر بحي العباسية الشهير، كما هناك خط ثالث تم إنجازه قريباً وسينتهي العمل نهائياً عام 2021م.
 كما أن لدى الحكومة المصرية خطة لبناء بعض الخطوط الأخرى لتصبح عدد الخطوط حتى وقت التخطيط 6 خطوط ولو تم إنجازها فسوف يساعد كثيراً على تخفيف الزحام في القاهرة.
بعد محطات بسيطة جداً غادرنا المترو وتحديداً في محطة محمد نجيب (أسفل ميدان محمد فريد مباشرة) بوسط البلد فأصدقائي يقطنون في حي عابدين الشهير بوسط البلد وتحديداً في شارع (محمد محمود) وهو شارع قد ذاع صيته أثناء ثورة 25 يناير ويعرفه الناس بأحداث (محمد محمود) وهو شارع حيوي يربط بين شارع محمد فريد وميدان التحرير.
 الحي الذي وصلناه كان حي (البلاقسة) والشارع الذي يقودك إلى شقتنا من شارع (محمد فريد) حتى المنزل يسمى بشارع (البلاقسة) على إسم الحي وهو حي قديم وعتيق وشوارعها ليست واسعة وسكانها قدماء جداً في تلك المنطقة.
 كنت أتأمل العمارات والبنايات القديمة والتي تحكي روعة وتاريخ وعظمة هذه المدينة العريقة فكل شئ يشعرك بأنك في مدينة تختلف عن كل المدن التي رأيتها في أي مكان من قبل، حيث المقاهي المتناثرة هنا وهناك، والمطاعم العالمية والفخمة والعادية والباعة المتجولين والمكتبات الصغيرة والكبيرة ومقاهي الإنترنت والجزارات ومحلات الخضر والفاكهة وصوالين الحلاقة والتجميل والهواتف النقالة والمساجد والمدارس والبقالات والمحلات التجارية الفخمة على جوانب الشوارع الرئيسية والبيوتات الفنية والثقافية، حتى داخل الحي تجد كل ما تريده وبدون أي تعب، فكل شئ موجود داخل الحارة التي تقطن بها، وهي ميزة رائعة ومفيدة.
البناية التي بها الشقة كانت عادية وقديمة نوعاً ما وتتكون من ثلاث طوابق، بالنسبة للشقة السكنية لم تكن صغيرة على حسب مساحات الشقق التي تجدها خاصة في وسط البلد، تتكون من 3 غرف نوم وصالة وحمام ومطبخ، بالطابق الثاني وبدون مصعد كهربائي، والإيجار الشهري كان لا يتجاوز 1200 جنيهاً مصرياً وهو سعر مناسب بالنسبة لمواصفات الشقة ومكانها وزمانها وقد إزداد هذا السعر الآن ربما أضعافاً وقد لا تجد مثل هذه الشقة في الوقت الراهن (أقصد عام 2017) بأقل من 7000 جنيهاً مصرياً.
عامة، إيجار الشقق في القاهرة والإسكندرية وباقي المدن المصرية تتوقف على نوع الشقة وعلى مساحتها وعلى الخدمات المتواجدة عامة في الشقة مثل المصاعد الكهربائية والمكيفات وشاشات التلفزيون ونوع الأثاث والتأمين وما إلى ذلك، والإيجارات هناك إما باليوم أو بالأسبوع أو بالشهر أو إيجارات طويلة المدى، إما إذا كنت تمتلك شقة خاصة في القاهرة فأنت والحظ السعيد سواسية.
 دلفنا إلى الشقة نحن الثلاثة (أنا والراحل ياسر وشرف) وأول من قابلني هو صديقي العزيز (جبريل عبد الرحمن مصباح) وهو نوبي من أبناء مدينة كرمة بشمال السودان، وسافر إلى مصر بغرض السفر إلى كندا ولكنه لم يوفق في ذلك وأعتقد أنه الآن بالسعودية.
الشقة المعنية كانت عبارة عن خلية نحل وكانت عبارة عن تجمع شبابي رائع، حيث يحلو الكلام والدردشات والتلفاز لا يتوقف أبداً وهنالك من يشغل نفسه بجهاز الكومبيوتر الخاص به، وكان معنا شباب مدمنون على لعبة الورق (الكوتشينة).
 أذكر من الشباب والأصدقاء الرائعون جداً، منهم من كان يسكن معنا ومنهم من كان يقوم بزيارتنا بصورة روتينية (جبريل مصباح  - أحمد صالح (تينا) - هشام موسى – مؤيد سعيد – عصام محجوب (قاشا) – جاسم الفاتح أحمد – عليش عبد المجيد – علي عبد الله بدري – نايف ورامي عباس – علي المالي – الشيخ طلحة - محمد حاج شمت (حمو حاج) – الحاج كدركة – مجدي السمسار – بدر الدين الدنقلاوي – ماجد حسس – ماجد الحلفاوي – هيثم جلال النور – ميرغني حسن – محمد زمراوي (حمو جدع) – دكتور أسامة – العم إبراهيم وشقيقه عباس أردوان - أبو بكر زمراوي (الخليفة) – العازف ميمي - جمال ود بحري – خالد سعيد – المحامي طلال – محمد محجوب – أحمد مأمون (اللاماب) – وليد ميرغني سيد أحمد – فائز قاشا – الفاتح أردوان – مصعب علي عوض – الباشمهندس أسعد – عبد الله الكسلاوي – ناصر المحسي – مجاهد بلال – أحمد المصري – عمر طلب (قباري) - … إلخ).
في نفس ليلة وصولي للقاهرة جاء لزيارتي قريبي وجاري محمد زمراوي إبراهيم (حمو جدع) ومعه صديقه الدكتور أسامة وهو من أبناء حي الرياض بالخرطوم، حيث كانوا يسكنون حينها في حي المنيب (نهاية المترو في الجيزة تقريباً)، ومن الغرابة في الأمر أنه كان يدرس في (الجامعة الأمريكية فرع القاهرة) بوسط البلد إلا أن هذه الغرابة قد زالت بعد أن عرفت بأن المترو أسفل شقتهم ولا مشكلة لديه لكي يصل محطة السادات بوسط البلد وهي أقرب المحطات للجامعة الأمريكية.
 ذهبنا سوياً إلى شارع (26 يوليو) الشهير جداً بوسط البلد، بعد أن أخذت قسطاً من الراحة وبعد أن قمنا بتوصيل صديقنا ياسر إلى شارع مجلس الأمة حيث كان ينتظره عمه العائد من ليبيا وقد كان مريضاً وشفي فيما بعد وقرر ياسر أن يقطن معه إلا أنه عاد إلينا بعد 3 أيام حيث سافر عمه إلى أسوان بعد أن شفي ومعه أسرته الكريمة.
 المهم ذهبنا نحن الثلاثة لتلك المقاهي الرائعة والشهيرة بوسط البلد وتحديداً في شارع 26 يوليو وهو شارع مشهور جداً ودائماً ما نشاهده في المسلسلات والأفلام ووسائل الإعلام المصرية، ويتقاطع مع هذا الشارع الحيوي شوارع مشهورة عديدة ومن المعالم الشهيرة على هذا الشارع (دار القضاء العالي) وسينما ريفولي وهي من السينمات التي أحترقت عند نشوب حريق القاهرة في خمسينيات القرن العشرين ولكن أعيد ترميمه بعد ذلك.
 جلسنا في مقهى بالقرب من المقهى الشهير بــ (أم كلثوم) نتبادل ونتجاذب أطراف الحديث وكنت أسألهم دائماً عن المناطق الشهيرة في القاهرة وكيفية الوصول إليها فالشهر الكريم كان على الأبواب ولا بد من زيارة بعض المعالم التاريخية لأن الحركة تقل تدريجياً في ذلك الشهر الكريم، حيث زودوني بعض المعلومات الهامة.
بكل صراحة القاهرة لا تنام أبداً، مدينة صاخبة ومدينة حيوية ليلها كنهارها، عندما تتأمل في المباني التاريخية العملاقة وفي مساجد مصر وحتى في كنائسها وفي الطراز المعماري المعمول به منذ عصور ساحقة ستشعر بعظمة ذلك البلد، لا يوجد شئ بالصدفة أو بدون هدف، كل مبنى له تاريخه وعصره ومميزاته وحكايته وأسراره، فتارة تجد نفسك أمام بناية حديثة، وتارة أخرى تجد نفسك أمام بناية من العصر المملوكي، وتارة أخرى تجد نفسك أمام مبنى من العصر العلوي، وكذلك العصر الإنجليزي، ومعظم المباني تجدها من العصر العثماني، وفي الأطراف الخاصة بالقاهرة تجد العمارة الفاطمية والأيوبية والطولونية والإخشيدية وغيرهم، وحتى الفترة القصيرة التي كانت بها الحملة الفرنسية على مصر لم تتركها على حالها أبداً.
عدت في ذلك اليوم إلى الشقة خاصتنا بصحبة أصدقائي عند الساعة الواحدة صباحاً وأعتقدت أنني قد تأخرت عليهم ولكنهم قالوا لي بأنهم لن يناموا قبل الرابعة صباحاً وأن الوقت ما زال مبكراً، ومدينة القاهرة تستحق السهر، نيلها خالد، مقاهيها جميلة، الأسواق لا تقفل خاصة في وسط البلد (أسواق العتبة – الموسكي – التوفيقية - وكالة البلح - … إلخ).
 عدت إلى المنزل وأنا أتأمل في كل ما مر بي خلال العشرة أيام الماضية تقريباً، أي منذ مغادرتي الخرطوم وحتى وصولي لوادي حلفا ومن ثم أسوان عبر بحيرة النوبة وبعد ذلك مروري بمعظم مدن صعيد مصر في الوجه القبلي وحتى وصولي القاهرة، وكان إحساساً رائعاً وجميلاً، وتجربة جديدة ومميزة.
صبيحة اليوم التالي، جاءني صديقي ياسر وقال لي بأننا سوف نذهب إلى أسواق وسط البلد ووافقت على ذلك لأنني كنت أريد الذهاب والتجول في وسط البلد، وأثناء مروري كنت أحدق في كل البنايات التاريخية وأقرأ تاريخها جيداً وكما توقعتها تماماً فهي قديمة وعتيقة وعريقة جداً ووسط البلد منطقة مكتظة جداً وبها سهولة في كل شئ وقد رافقت صديقي ياسر باجيو حتى سوق الموسكي وهو سوق متواجد في منطقة وسط البلد في العتبة، تم تأسيسه في العصر المملوكي وسمي على أحد مشاهير المماليك وكان إسمه (موسك) وكان يقطن في تلك المنطقة التي بها السوق في ذلك الوقت، والحركة بها نشطة وتتميز بتجارة الأقمشة بالذات وبلعب الأطفال وبمستلزمات الأسرة والأثاثات المنزلية وهو بمثابة السوق الشعبي لسكان القاهرة والناس في ذلك السوق كثر جداً، والعمل يشمل الكل (رجال ونساء) بل هنالك محلات ومتاجر كلها من النساء فإيقاع الحياة في القاهرة يتطلب تكاتف كل أفراد الأسرة مع بعضهم البعض.
في طريق العودة بعد شراء ما ذهبنا من أجله، مررنا بالقرب من (قصر وميدان عابدين)، قصر جميل وشهير شيده والي مصر محمد علي باشا ويقع في منطقة عابدين، كان المقر الرئيسي للحكام والولاة والخديويين من (الأسرة العلوية) الذين حكموا مصر والسودان معاً حتى قيام ثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر واللواء محمد نجيب، وكان آخر الملوك في ذلك القصر التاريخي هو الملك فاروق، وهو قصر ضخم وفخيم وبني بعناية فائقة الجمال وبطراز معماري مدهش غربي - شرقي، قد تحول الآن إلى متحف كبير وأمامه توجد حديقة كبيرة لعامة الناس، والميدان الذي أمامه سمي بميدان عابدين.
إنها مدينة القاهرة، مهما تحدثنا عنها فلن نوافيها حقها أبداً، فالقاهرة مدينة سياحية عملاقة من الطراز الأول، حيث تتواجد بها جميع المظاهر السياحية التي قد يحتاجها الزائر فهناك المواقع الأثرية التي تعود لعصر الفراعنة وأسوار المدينة القديمة التي ترجع إلى العصر الإسلامي والمواقع الإسلامية والمسيحية واليهودية الموجودة منذ دخول الأديان المختلفة لمصر والمناطق الثقافية والمناطق التسويقية الشهيرة والصروح الرياضية أيضاً، وهناك المئات من القصور والمساجد والكنائس والبوابات التاريخية والمباني العريقة من مختلف العصور بالإضافة للأماكن الفنية والمسارح ودار الأوبرا المصرية وغيرها، ولذلك تنتشر بالقاهرة أعداد كبيرة من الفنادق ذات الخمس نجوم، والمولات التجارية الحديثة لا حصر لها.
كنت أخرج مع أصدقائي شرف الدين سعيد وياسر باجيو وفيما بعد مع صديقي العزيز جاسم الشيخ ولم أترك شيئاً في القاهرة الكبرى قبل وأثناء وبعد شهر رمضان الكريم إلا وقد زرتها، لا مكان أبداً للصدفة، ومن الرائع أن أذكر بعض الأماكن التي قمت بزيارتها أو مررت القرب منها، وكل مكان أفضل من الآخر وكل له رونقه وطابعه الخاص، وكنت حريصاً على تذكر وتدوين كل شئ.
من معالم القاهرة المختلفة هي دار الكتب والوثائق القومية، كذلك المتحف المصري والذي صمم في العام 1896م بواسطة المهندس الفرنسي (مارسيل دورنو) وذلك على النسق الكلاسيكي المحدث والذي يتناسب مع الآثار القديمة والكلاسيكية.
 من معالم القاهرة أيضاً (خان الخليلي)، أحد أحياء القاهرة القديمة حيث يتمتع بجذب سياحي كبير بالنسبة لزوار القاهرة خاصة ومصر بشكل عام، ويتميز البازارات بشكل مميز ومألوف وجاذب، وهناك أيضاً المحلات العتيقة والمطاعم الشعبية، كما يتميز بكثرة أعداد السياح وإعتياد سكانه عليهم، فالسياحة مصدر دخل أساسي هناك لكل السكان، وخان الخليلي واحد من أعرق أسواق الشرق كله وليس مصر فقط، يقولون أن عمره يزيد قليلاً على 600 عام، وما زال معماره الأصيل باقياً على حاله منذ عصر المماليك حتى الآن، وكما هو معروف فقد سمي بهذا الإسم نسبة إلى منشئه الشريف الخليلي الذي كان كبير التجار في عصر السلطان المملوكي برقوق عام 1400م.
من المعالم الشهيرة أيضاً في القاهرة (برج القاهرة)، فقد تم بناؤه بين عامي 1956م - 1961م ويقع في قلب القاهرة على جزيرة الزمالك الراقية بنهر النيل، ويوجد على قمة برج القاهرة مطعم سياحي فاخر على منصة دوارة تدور برواد المطعم ليروا معالم القاهرة من كل الجوانب، حيث بني البرج في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبلغت تكاليف إنشائه في ذلك الوقت 6 ملايين جنيه.
من معالم القاهرة الكبرى (مصر القديمة)، أحد أحياء القاهرة العريقة والتاريخية، حيث يحتوي القاهرة الإسلامية والقاهرة القبطية والقاهرة الفاطمية ومدينة الفسطاط القديمة والمتحف القبطي، وقلعة بابل، والكنيسة المعلقة، والكنيسة اليونانية للقديس جورج، والعديد مِنْ الكنائسِ القبطيةِ الأخرى، والمعابد اليهودية ومسجد عمرو بن العاص والجامع الأزهر وقلعة صلاح الدين وتسمى أيضاً (قلعة محمد علي) وهي من أفخم القلاع الحربية التي شيدت في العصور الوسطى ومسجد محمد علي داخل القلعة ومسجد الإمام الحسين والأحياء القديمة كحي السيدة زينب وحي الحسين، ولذلك تعتبر منطقة مصر القديمة هي من أبرز الشهود على التاريخ العظيم للمدينة ولمصر.
كما تضم محافظة الجيزة وهي تتبع للقاهرة الكبرى عدداً من أهم أثار ومزارات مصر مثل أهرامات الجيزة الثلاثة وأبو الهول، ومنطقة آثار أبو صير وسقارة وهرمي دهشور، وحديقة الحيوان وحديقة الأورمان، ومدينة الإنتاج الإعلامي، والقرية الفرعونية بساقية مكى، ومركب خوفو الجنائزي، مما جعلها من أولى المحافظات جذباً للسياح حيث تعتبر الثانية في الترتيب بعد مدينة الأقصر. 
وعلينا أن لا ننسى دار الأوبرا المصرية بجزيرة الزمالك وقد يكون الوحيد بالشرق الأوسط وأفتتحت أبوابه كما قرأت عام 1988م بعد حريق أوبرا القاهرة الأولى الشهيرة عام 1971م وبها ثلاث مسارح (الكبير - الصغير - المكشوف)، ويتبع الأوبرا الحالية العديد من المراكز الثقافية الأخرى مثل متحف الفنون الحديثة المصرية، ومعرض النيل، وجمعية الفنون البلاستيكية ومسرحِ الهناجر بخلاف مسارح الأوبرا، ويقام فيه العديد من العروض الأوبرالية كأوبرا عايدة والعديد من عروض الباليه كاليوناني زوربا والروسي كوبيلياو.
 ومما أذكره في هذا الأوبرا بأنني قد سألت مسئول التذاكر عن سعر الدخول لأوبرا (نيران الأناضول) فأخبرني بأن ثمن التذكرة (300 جنيه) وهي تذكرة غالية جداً حتى على بعض الأثرياء في مصر في عام 2010م، كما تقيم الأوبرا صالونات ثقافية ومعارض فن تشكيلي ومهرجانات موسيقية صيفية لفرق ويوجد بدار الأوبرا أيضاً قصر الفنون.
 من المؤسسات التعليمية الفنية الهامة في القاهرة، المعهد العالى للفنون الشعبية والمعهد العالى للباليه والمعهد العالى للفنون المسرحية وهم من أهم المراكز التعليمية الفنية في العالم.
مدينة القاهرة أيضاً تعتبر مركز أساسي لصناعة الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية بمصر والعالم العربي وذلك منذ أكثر من 100 عام، ونجد بالقاهرة كل إستوديوهات السينما الموجودة بمصر وأكبرها مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية وهي من أكبر المدن السينمائية في العالم من حيث المساحة والتقنيات وهي تابعة لوزارة الإعلام المصرية، كما يوجد أيضاً الأكاديمية الدولية لعلوم الإعلام بمدينة الإنتاج الإعلامي، ويقام سنوياً بالقاهرة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وهو من أهم المهرجانات السينمائية في العالم.
وهنالك أماكن ثقافية كثيرة في قاهرة المعز مثل مراكز الإبداع المختلفة والأماكن الأثرية الإسلامية وساقية الصاوي وغيرها من الأماكن التابعة لبعض السفارات العربية والأجنبية، ومن أهم الموسسات التعليمية الفنية في مصر هي أكاديمية الفنون المصرية التي أقامتها وزارة الثقافة المصرية عام 1959م للنهوض بمستوى الفن في مصر.
يوجد بالقاهرة العدد الأكبر من الأندية الرياضية الموجودة في مصر وأكثرها شهرة، ومن أشهر أندية القاهرة النادي الأهلي ونادي الزمالك ونادي الجزيرة ونادي الزهور ونادي هليوبوليس ونادي الشمس ونادي السكة الحديد ونادي الترسانة (الشواكيش)، وهليوليدو والمقاولون العرب ونادي النصر، ونادي المعادي الرياضي ونادي اليخت، ولكن الأبرز منهم هم أندية الأهلي والزمالك والمقاولون العرب والجزيرة والترسانة.
ومن أهم الصروح الرياضية في القاهرة هو إستاد القاهرة الذي تأسس في 1955م وإكتمل بناؤه عام 1960م ويصل طاقته الإستيعابية إلى 75 ألف مقعد، وهنالك ملاعب عديدة بالقاهرة مثل ملعب السكة حديد وملعب المقاولون العرب بالجبل الأخضر وملعب القوات المسلحة وكلها ملاعب تصلح لرياضة كرة القدم ولإستضافة الدورات الإقليمية والقارية.
كنت أقوم بشراء صحيفة (المصري اليوم) يومياً لأنها كانت تتبع للمعارضة خلاف الصحف الرئيسية والقديمة جداً والعريضة والتي كانت تتبنى الخطوط العريضة لسياسات الرئيس المصري الراحل (محمد حسني مبارك) خاصة صحيفة الأهرام، وصحيفة الأهرام هي مؤسسة وطنية عملاقة ومن أعرق المؤسسات الصحفية في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا وتصدر عنها جريدة الأهرام اليومية والأهرام إيبدو وجريدة المساء ومجلة العربي ومجلات أخرى.
 وهناك دار أخبار اليوم أيضاً والذي يصدر عنه جريدة الأخبار اليومية وأخبار اليوم الأسبوعية والعديد من المجلات، وهناك دار التحرير ويصدر عنه جريدة الجمهورية المشهورة، وأيضاً تصدر في القاهرة الصحف الحزبية المختلفة كجريدة الغد وجريدة الوفد وهناك أيضاً صحف الأسبوع والأهالي والدستور وروز اليوسف وغيرها.
 وكذلك يوجد بالقاهرة مقر وكالة أنباء الشرق الأوسط، وهي وكالة الأنباء الرئيسية في مصر، كما نجد أن مقار قنوات التلفزيون الأولى والثانية والثالثة موجودة بمبنى ماسبيرو بوسط المدينة (وسط البلد)، وهي من المباني العريقة والعملاقة والتاريخية وتطل على النيل مباشرة من الضفة الشرقية، ومصر تمتلك القمر العربي (نايل سات) ولديها العديد من القنوات الفضائية والإذاعات المحلية وإذاعات أف أم، وبها وكالات أنباء محلية ودولية متعددة جداً.
أحياء القاهرة الشهيرة والتي عرفتها قبل وأثناء وبعد شهر رمضان في العام 2010م إن لم تخذلني الذاكرة كثيرة جداً وهي: (بولاق أبو العلا، منشية ناصر، جاردن سيتي، الزمالك، المنيل، مصر الجديدة، النزهة، مدينة نصر، الوايلي، العباسية، عين شمس، المرج، المطرية، القطامية مدينة السلام، شبرا، الساحل، الزاوية الحمراء، الشرابية، روض الفرج، حدائق القبة، الزيتون، المنيرة الجديدة، مصر القديمة، جزيرة الروضة، البساتين، دار السلام، المعادي، زهراء المعادي، حدائق المعادي، القبة، حدائق القبة، حلوان، المعصرة، التبين، الموسكي، الخليفة، المقطم، المغربلين، باب الشعرية، السيدة زينب، الدرب الأحمر، العتبة، الحلمية الجديدة، الجمالية، عابدين، السيدة زينب، غمرة … إلخ).
وهنالك مدينة (6 أكتوبر) حيث كانت محافظة قائمة بذاتها وتقع على طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي غرب القاهرة وشمال الجيزة وبها قرى سياحية فخمة ومدن وأحياء راقية جداً ويقطن بها نخبة المجتمع، ومن أحياء الجيزة (محافظة قائمة بذاتها) على سبيل المثال وليس الحصر: (إمبابة، الدقي، العجوزة، المهندسين، العمرانية، المنيب، فيصل، الهرم، بولاق الدكرور، أرض اللواء … إلخ)، وهي أحياء معروفة ما بين العريقة والحديثة والشعبية.
هنالك مساجد عتيقة وعريقة جداً في القاهرة وأول مسجد قمت بزيارته رسمياً هو مسجد السيدة زينب في حي السيدة زينب والقابع في شارع بور سعيد الشهير ومساحة هذا المسجد كبيرة جداً ومآذنه مرتفعة جداً، غالباً ما تجد على أبوابه طالبي الرزق والباعة، يصلي بهذا المسجد جموع غفيرة جداً وفي صلاة الجمعة إن لم تذهب منذ وقت مناسب ومبكر قبل الأذان لن تجد مكاناً لك كعادة معظم مساجد مصر.
 ومن أشهر مساجد مدينة القاهرة العتيقة التي قمت بالصلاة عليها أو زيارتها أو مررت بالقرب منها وعن قصد هي: (الجامع الأزهر - مسجد عمرو بن العاص - مسجد أحمد بن طولون - مسجد السلطان حسن - مسجد محمد علي - مسجد السيدة نفيسة - مسجد الحسين - مسجد الحاكم بأمر الله - مسجد الرفاعي - مسجد الإمام الشافعي - مسجد المؤيد شيخ - مسجد السيدة زينب - مسجد جمال الدين الأستادار - مسجد مراد باشا - مدرسة الناصر محمد بن قلاون - مسجد داعى الدار - جامع السلطان الظاهر بيبرس - جامع أبن برديك - مسجد المرأة (فاطمة الشقراء) - مسجد خاير بـــك - مسجد الكخيا بالعتبة - … إلخ).
 وقد حرصت على أن أحفظ أسماء هذه المساجد عن ظهر قلب لولعي الكبير بالتاريخ وبالحضارات القديمة وهي مساجد تستحق منا زيارتها والحديث عنها.
ومن معالم القاهرة القبطية هي: (الكنيسة المعلقة - المتحف القبطي - حصن بابليون - كاتدرائية القديس مرقس القبطية الأرثوذكسية - كنيسة العذراء المغيثة - مار جرجس(منطقة وحي في القاهرة الكبرى) - كنيسة الخندق - كنيسة حارة زويلة بالقاهرة - كنيسة المغيثة - كنيسة مار مينا - كنيسة المعلقة - كنيسة القديس شنودة - كنيسة العذراء مريم - كنيسة الشهيد مرقوريوس (أبو سيفين) - كنيسة مار جرجس للروم الأرثوذكس … إلخ).
ومن أشهر قصور القاهرة التاريخية هي: (قصر الجوهرة - قصر الأمير بشتاك - قصر الأمير طاز - قصر الإتحادية - قصر البارون إمبان - قصر الحرم - قصر الزعفران - قصر السكاكيني - قصر القبة - قصر عابدين - قصر المانسترلي - … إلخ)، وكالعادة كلها قصور تاريخية وقصور كبيرة جداً وتتفاوت أزمنة بنائها.
مقاهي القاهرة هي تاريخ ونبض البشر في مصر المحروسة، وبعضها يكاد يكون تلخيصاً جذرياً لحياتهم، ومن أشهر مقاهي القاهرة هو مقهى (الفيشاوي) الشهير بحي الأزهر العريق بالقاهرة فعلاوة على أنه يعد من أقدم مقاهي القاهرة، حيث يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1797م، إلا أنه أصبح أكثر شهرة وبريقاً، بفضل الأديب المصري العالمي المشهور جداً نجيب محفوظ الذي كان (الفيشاوي) مقهاه المفضل.
من المقاهي الشهيرة أيضاً مقهى (ريش) بوسط البلد، وهو أكبر تجمع للمثقفين والسياسيين في المنطقة العربية، يقع قرب ميدان طلعت حرب بوسط البلد، تأسس عام 1908م، يقال أن هذا المقهى شيده ألماني وباعه عام 1914م إلى الفرنسي هنري بير وهو أحد الرعايا الفرنسيين الذي أعطى له إسم (ريش) ليتشابه بهذا الأسم مع أشهر مقاهي باريس التي ما زالت قائمة إلى الآن.
 وهنالك مقاهي لا حصر لها مثل مقهى (أم كلثوم) في شارع 26 يوليو، وأتذكر بأن هنالك مقهى (جيجي) في نفس هذا الشارع الحيوي بقلب القاهرة وهو مقهى يرتاده الجالية السودانية كثيراً وذلك لوجود شاب سوداني محبوب يعمل هناك، والمقاهي في القاهرة لا تعد ولا تحصى.
 شخصياً كنت إرتاد مقهى (الكرنك) بشارع محمد محمود، وكذلك مقهى آخر يطل على ميدان التحرير صاحبه من النوبة المصريين وتعامله راقي جداً وبصحبة صديقي جاسم الشيخ، كما لا يمكنني أن أنسى مقهى (إنشراح) في شارع محمد فريد وهو مكان تجمع السودانيين والنوبة القاطنين في منطقة عابدين وفي سوق الإتنين وفي شارع مجلس الأمة وشارع الشيخ ريحان وشارع خيرت وحتى شارع بور سعيد.
 كالعادة من يجلس على مقعد بالمقاهى عليه أن يطلب شيئاً ما في البدء قهوة، شاي أخضر، يانسون، سحلب، شاي بالحليب ويسمى بــ (منو وفيه) أو شيشة أو أي شئ آخر، وبعد ذلك يمكنك أن تتفرج على التلفاز أو تطلب لعبة الدومينو (الضمنة) أو لعبة الطاولة، أو كلمة السر الخاصة بالواي فاي، وحتماً ستجد كل فئات الشعب المصري يجلس في المقاهي بالساعات سواءاً كان مهندساً أو مفكراً أو طالباً أو عاطلاً أو طبيباً أو محامياً أو صحفياً أو من يمتهن أي مهنة، فالكل يريد أن يرفه عن نفسه في الشارع العام، وعادة سعر المشاريب (الطلبات) في متناول الجميع.
من أشهر ميادين مصر بالتأكيد هو (ميدان التحرير) بوسط البلد وهو ميدان غني عن التعريف ولا داعي للحديث عنه فقد شهد ثورة 25 يناير.
 ومن المعالم الشهيرة بالقرب منه (المتحف المصري - الجامعة الأمريكية بالقاهرة - مجمع المصالح الحكومية المعروف إختصاراً بمجمع التحرير والذي قام بتصميمه د. محمد كمال إسماعيل - مقر جامعة الدول العربية - القصر القديم لوزارة الخارجية المصرية - فندق النيل هيلتون - مسجد ومبنى عمر مكرم والمكون من أربع طوابق تحت الأرض ويتكون سطحه من حديقة عامة يتوسطه تمثال عمر مكرم.
 كما يوجد بالميدان إحدى أكبر محطات مترو القاهرة الكبرى وهي محطة السادات والتي تضم الخط الأول والثاني معاً، ونجد كذلك كنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية، وهنالك بعض المحلات التجارية ووكالات السفر والسياحة التي تفتح على هذا الميدان المشهور وبعض المطاعم كمطعم بيتــــزا هـــت.
كذلك من الميادين المشهورة جداً بالقاهرة الكبرى ميدان عبد المنعم رياض وهو بالقرب من ميدان التحرير ويقع على الشمال منه، وكذلك ميدان طلعت حرب بوسط البلد وهو ميدان مشهور جداً وتجد حوله كل المراكز التجارية والمحلات الفخيمة ودور السينما والمطاعم الفاخرة.
ومن الميادين الأخرى والمشهورة جداً في القاهرة هي: (ميدان عابدين - ميدان رمسيس - ميدان الفلكي - ميدان باب اللوق - ميدان مصطفي كامل - ميدان محمد فريد - ميدان رابعة العدوية - ميدان الأوبرا - ميدان العتبة الخضراء - … إلخ)، وهنالك ميادين عديدة لا حصر لها ولكن ما ذكرتهم في الأعلى هي أشهر الميادين وأكبرها تقريباً وبعضها قريبة من بعضها البعض في المسافة.
تجولت لمدة 4 أيام مع صديقي ياسر في وسط البلد وخاصة منطقة العتبة وفي بعض الأحياء المعروفة وهي منطقة قريبة جداً من مكان سكننا في حي عابدين، والحديث عن وسط البلد خاصة العتبة يطيل ويطول وأشهر الأماكن في العتبة هي سور الأزبكية وهو المكان الأشهر لتجارة الكتب والمجلات المستعملة على تنوع وأختلاف مجالاتها.
 وكذلك مسجد (الكخيا) وهو من المساجد الأثرية بالقاهرة، وكذلك شارع الأزهر، وسوق الموسكي وهو من أسواق القاهرة المعروفة، ونجد بوسط البلد المسرح القومي المصري، وشارع عبد العزيز والذي يعتبر المركز الرئيسي والمورد الأساسي لتجارة الأجهزة الكهربائية والهواتف المحمولة بمصر، ونجد أيضاً حمام الثلاثاء وهو مركز لتجارة الأدوات المنزلية.
 وهنالك المركز الرئيسي لهيئة البريد المصري، وكذلك نجد المناصرة وهو المركز الرئيسي في القاهرة لتجارة الأخشاب والأثاث، وهناك شارع محمد علي ويعد مركزاً لتجمع وإلتقاء الموسيقيين، ونجد في العتبة أيضاً مركزاً لصناعة الأختام ومتعلقاتها، كما يقع في العتبة أكثر من موقف للمواصلات فبها وحدها ما يربوا على الأربعة مواقف، ومنطقة العتبة تضم كذلك ميدان الأوبرا وبه تمثال إبراهيم باشا نجل محمد علي، وكذلك نجد نفق الأزهر.
 ومنطقة العتبة تضم مركزاً لإصلاح الساعات فيما يعرف بممر الساعات، ويوجد بها سوق لكافة أنواع الورق، كما يوجد بها خاصة في شارع عبد العزيز مقر شركة توشيبا العربي وهي إحدى أفضل شركات صناعة وبيع الأجهزة الكهربائية بمصر، ويوجد بها سوق للنظارات الطبية والشمسية وكذلك بعض الفنادق الصغيرة والكبيرة مثل أبو سمبل وأوريان.
كما نجد في العتبة (مطعم السودان) حيث تجمع كل السودانيين ويباع فيه كل الأكلات السودانية، وبالقرب منه تجد (مطعم الخرطوم)، كما أنتشرت مؤخراً مقاهي ومطاعم سودانية في العتبة وعابدين والسيدة زينب وأرض اللواء ومنطقة فيصل.
نجد في وسط البلد أيضاً مبنى الأسواق الحرة، وبعض وكالات حجز تذاكر الطيران والبنوك والمحاكم وأقسام الشرطة والفنادق والشركات الضخمة … إلخ.
من أشهر الجامعات في القاهرة هي بالتأكيد (جامعة القاهرة) وقد قمت بزيارتها عدة مرات وهي تقع في منطقة الجيزة وهنالك جامعات أخرى مثل جامعة عين شمس، جامعة حلوان، جامعة الأزهر الشريف، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الجامعة البريطانية بمصر، هذا خلاف الجامعات الأخرى في باقي محافظات مصر المختلفة.
ومن أشهر شوارع القاهرة وليس كلها كما عرفتهم عند زيارتي لقاهرة المعز هي: (شارع 26 يوليو، شارع الأزبكية، شارع الألفـي، شارع البطل أحمد عبد العزيز، شارع عبد الخالق ثروت، شارع الشيخ ريحان، شارع الفلكي، شارع القصر العيني، شارع كلوت بك، شارع وميدان المبتديان، شارع ونفق صلاح سالم، شامبليون بوسط البلد - … إلخ)، ومن السهل جداً حفظ الشوارع في مصر ولا يحتاج منك إلى عناء طويل فكلها قريبة من بعضها البعض وتتقاطع كثيراً فيما بينها.
والقاهرة الكبرى غنية بالحدائق العامة والخاصة ومنها: (حديقة الأسماك بشارع الجبلاية بحي الزمالك، حديقة الفسطاط شارع صلاح سالم بعين الصيرة، حديقة حيوانات الجيزة بشارع مراد بالجيزة، الحدائق اليابانية بحلوان، حديقة دار العلوم بالقصر العيني في وسط القاهرة، حديقة الأزهر … إلخ).
 وحديقة الأزهر هذه تقع بمنطقة الأزهر وهي حديقة رائعة  وخضراء وواسعة وبها خضرة ومياه ويمكنك رؤية القاهرة كلها عندما تكون في أعلى منطقة بهذه الحديقة الغناءة والجميلة.
وعلينا أن لا ننسى دور السينما والمسارح والأوبرا بالقاهرة فهي مليئة جداً مثل: (دار الأوبرا الخديوية، دار الأوبرا المصرية، مسرح مينوش الهوسابير بالمنيل، مسرح الهرم بشارع الهرم، مسرح البالون بالمهندسين، مسرح السلام بجاردن سيتي، مسرح فرقة رضا للفنون الشعبية بالفوالة، مسرح الزعيم بالهرم - … إلخ)، وكلها مسارح حيوية ونشطة تحيي ليالي القاهرة كل يوم.
كما لا يفوتنا أن نذكر دور السينمات في القاهرة الكبرى مثل: (كوزموس وسط البلد بالقاهرة، مينا بالاس بالهرم، كايرو مول بالهرم، جنينة مول بمدينة نصر، كايرو بوسط البلد، أوسكار رمسيس هيلتون بوسط البلد، ريالتو بوسط البلد، ميامي بوسط البلد، بيجال بوسط البلد، براداي المعادي، ريفولي بوسط البلد، … إلخ)، وهي دور عرض شهيرة تعرض الأفلام المصرية الجديدة وكذلك الأفلام الأجنبية وهي تتفاوت في الأسعار على حسب السعة والفخامة والسمعة والعراقة والمقاعد والخدمات والموقع وما إلى ذلك من مميزات أخرى.
أشهر المكتبات في القاهرة ودور الطباعة والنشر هي: (مكتبة الجامعة الأمريكية، دار المعارف، مكتبة الانجلو، دار الكتاب المصري اللبناني، مكتبة النهضة، مكتبة الشروق، مكتبة مدبولي، المطابع الأميرية، مكتبة الخانجي … إلخ)، وكل هذه المكاتب ودور النشر والطباعة نجدها في منطقة القاهرة الكبرى، والكتب التي بها تغنيك عن كل شئ.
كما أن هنالك مستشفيات عديدة وكثيرة جداً في القاهرة الكبرى نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر: (المعهد القومي للأورام، مستشفى الحسين الجامعي، مستشفى القصر العيني التعليمي (الفرنساوي)، مستشفى المنيل الجامعي، مستشفى معهد ناصر، مستشفى سرطان الأطفال (مستشفى 57357)، مستشفى عين شمس التخصصي، مستشفى الزيتون التخصصي، … إلخ).
كما نجد مجموعة كبيرة جداً من البنوك المصرية والأجنبية ولكن أشهرها هي: (بنك الإسكندرية، بنك مصر، البنك المصري التجاري، البنك العربي الأفريقي، البنك التجاري الدولي، البنك الأهلي المصري، بنك فيصل الإسلامي، بنك القاهرة، البنك العربي الأفريقي الدولي، بنك أوف نوفا اسكوشيا، بنك كريدي أجريكول أندوسويس، بنك المشرق، … إلخ)، كما نجد بعض الصرافات الشهيرة جداً مثل ويسترن يونيون ولديهم فرع في شارع بور سعيد.
في مصر توجد شركات تجارية ووطنية عديدة ومتعددة النشاطات وهي شركات تعمل في مجال الإستيراد والتصدير وفي كافة المجالات مثل الأدوية والإتصالات والتكنولوجيا والأدوات المكتبية والصناعات الجلدية والملبوسات والأطعمة والمعلبات والمعدات الصغيرة … إلخ. 
من أشهر الشركات على سبيل المثال وليس الحصر هي: (شركة إنبى، شركة بتروجيت، شركة غاز مصر، أوراسكوم للإتصالات، إتصالات مصر، فودافون مصر، موبينيل، شركة الشرق الأوسط للبرمجيات، مجموعة طلعت مصطفى، المقاولون العرب، العامة للطرق والكباري، أسمنت قنا، سكك حديد مصر، مصر للطيران، شركة السلام للنقل البحري، عمر أفندى، … إلخ).
 ومن الشركات المشهورة جداً في مصر في مجال الملابس شركة (التوحيــد والنـــور) وهي محلات منتشرة في كل أحياء القاهرة ومراكزها التجارية، وهي تتبع لأحد تجار الإخوان المسلمين وقد تم مضايقته كثيراً في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك.
الجسور والكباري المائية على نهر النيل الخالد كثيرة، خاصة في منطقة القاهرة الكبرى وهي: (كوبرى 6 أكتوبر - كوبري قصر النيل - كوبري إمبابة - كوبري الجلاء - كوبرى الجامعة - كوبري عباس - كوبري الملك الصالح - كوبري الساحل - كوبري المنيب - كوبري الزمالك)، ولكن تظل جسور 6 أكتوبر وقصر النيل وإمبابة أشهر الجسور على الإطلاق ومنظر القاهرة ونهر النيل من هذه الجسور عند المساء شئ رائع وبديع.
مصر تتميز بمطاعم عدة منها الشعبية ومنها العالمية على سبيل المثال وليس الحصر: (مطاعم ماكدونالدز، مطاعم كنتاكي، دومينوز بيتزا، هت بيتزا، مطاعم الشبراوي، مطاعم مؤمن، مطاعم جاد، مطاعم لذيذ، مطعم الأمريكيين، مطاعك قزاز، مطاعم كوك دور، مطاعم جروبي، … إلخ).
 والمطاعم المصرية الشهيرة المخصصة لبعض الأكلات المصرية الشعبية فأشهر مطعم لبيع أكلة الكشري الشعبية في مصر هو مطعم (كشري التحرير) بوسط البلد، كما توجد مطاعم مشابهة مثل (توم آند بصل).
 كما أن المخابز المصرية كثيرة وتجدها في كل مكان وهنالك الخبز المدعوم ويتهافت عليه سكان مصر، وهنالك الخبر الغير مدعوم وأنواع الرغيف متعددة جداً في الحجم وفي النوع وفي اللون وفي السعر وفي كل شئ.
إذا أردت تناول الفول والطعمية فعليك بالعربات المتحركة وهي أفضل من المطاعم الثابتة وتبيع الفول والطعمية (الفلافل) طازة.
وفنادق مصر كثيرة جداً لا تحصى ولا تعد منها العالمية ومنها المصرية ومنها العربية ومنها الشعبية، وكلها فنادق عريقة وشهيرة جداً، فعلى ضفاف النيل تجد فنادق سمير أميس أنتركونتنينتال والقابع قبالة جسر قصر النيل من الناحية الشرقية للنهر الخالد وهو أحد أشهر فنادق مصر، وبالقرب منه هناك فندق شبرد، وهنالك الفندق الشهير الحياة ريجينسي بالقرب من المنيل داخل جزيرة صغيرة على النيل وبالقرب من حي جاردن سيتي الراقي وهذا الحي به معظم السفارات مثل السفارة السودانية والإيطالية والأمريكية وغيرهما من السفارات لأنها منطقة راقية جداً وتطل على النيل.
 ومن الفنادق المشهورة أيضاً فندق موفنبيك في مدينة 6 أكتوبر وكذلك فندق نوفوتل في منطقة الجزيرة بوسط القاهرة، وفندق رمسيس هيلتون بالقرب من جسر 6 أكتوبر في الضفة الشرقية للنيل وهو فندق قريب من مبنى ماسبيرو الخاص بالتلفزيون المصري، وفندق فور سيزون لمالكه رجل الأعمال السعودي الشهير الوليد بن طلال ولديه فرع آخر في مدينة الإسكندرية الساحلية الرائعة.
 وهنالك فنادق عديدة جداً في معظم أنحاء القاهرة وخاصة في أحياء الهرم بالجيزة وكذلك بأحياء القاهرة الراقية كمصر الجديدة ومدينة نصر والزمالك وقاردن سيتي وهم من أفضل الأحياء التي أحببتها في القاهرة بالإضافة إلى مدينة 6 أكتوبر.
النيل في مصر شئ بديع وشئ رائع وفي ضفاف النيل تجد كل شئ وهنالك قوارب سياحية تعمل بنظام الأجرة وهي متعددة فمنها من تقوم بجولة قصيرة داخل النيل ومنها من تقوم بجولات طويلة على طول النيل ويقومون بتشغيل الأغاني مع دعمها بالرقص والإستعراض الشعبي البلدي مثل (عشرة بلدي، على واحدة ونص، الرقصات الشعبية والشبابية الحديثة)، والوقت يمضي ويمضي وأنت لا تشعر بمضيه أبداً، وأنصح الجميع بالذهاب إلى القناطر الخيرية التي شيدها وبناها والي مصر في ذلك الزمان محمد علي باشا قبل 200 عام!.
من المناطق السياحية في القاهرة قلعة صلاح الدين الأيوبي وتعرف كذلك بقلعة (محمد علي باشا) لوجود مسجد محمد علي باشا بها وهي منطقة تقع في مصر القديمة ويمكنك أن ترى كل مصر بمجرد الدخول إليها، وهي حصن ضخم وبها مسرح غنائي رائع التنسيق والتصميم، وبالقرب منها تقع حديقة الأزهر الرائعة ومن هناك يمكنك أن ترى الأحياء الشعبية المصرية العريقة والتي تحكي عن التاريخ فقط ولا شئ غير التاريخ.

الإسكندرية كمان وكمان
كل يوم كان يزداد إعجابي بمصر وقد مكثت بها قرابة الأربعة أشهر ولم أشعر بمضي تلك الأيام والأسابيع والشهور أبداً، ولكن يقولون في مصر (من لم يزر مدينة الإسكندرية لم يزر مصر أبداً)، وهذه المقولة ليست من فراغ بل هو واقع عايشته بنفسي، قال لي صديقي العزيز شرف بأنه مضطر للذهاب إلى مدينة الإسكندرية لقضاء بعض أعماله ويحتاج لمن يذهب معه ففي ذلك الوقت كان صديقي ياسر باجيو قد عاد إلى أسوان وأصبحت بجانب صديقي شرف الدين في كل تحركاته لأنني لا أريد أن أفوت أية فرصة للتجول بأنحاء مصر فوافقت أن أذهب معه إلى مدينة الإسكندر الأكبر المقدوني (إليكساندرية) وتسمى باللغة العربية كما هي معروفة للجميع بــالإسكندرية بينما ينطقها المصريين باللهجة المحلية (إسكندرية) أي لا ينطقونها معرفاً.
 على كل حال كان أمامنا يومان فقط لأن شهر رمضان كان يطرق الأبواب والنوافذ، كالعادة صعدنا على المترو من محطة محمد نجيب حتى محطة الشهداء والتي تجاور وتلاصق محطة مصر للقطارات (محطة رمسيس)، لم نشأ أن نذهب لتلك المدينة الساحرة عبر القطار في المرة الأولى بل ذهبنا عبر الميكروباص (حافلات صغيرة) وعن طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي.
تحركت الحافلة الصغيرة وهي عربة مجهزة بكل شئ ونظيفة جداً وجهاز التكييف يعمل جيداً ولا أذكر سعر التذكرة جيداً إلا أن السعر كان عادياً في حدود (25 جنيهاً للفرد تقريباً).
بعد دقائق قليلة إجتزنا مدينة القاهرة وإتجهت بنا الحافلة الصغيرة نحو الطريق الصحراوي ووصلنا مدينة 6 إكتوبر بغرب القاهرة، هذه المدينة تعتبر من أحدث مدن القاهرة الكبرى وبها المدينة الذكية وهي مدينة كاملة للتكنولوجيا وشركاتها المعروفة، كما أنها مجهزة بكامل المرافق والخدمات الأساسية، وبنيت بصورة حديثة جداً وبتنسيق رائع فمدينة 6 أكتوبر بها الحداثة وهي ليست عريقة كالقاهرة ولكنها منطقة هادئة وجميلة جداً وبها قرى وأحياء وفلل سياحية رائعة.
المدينة الذكية بها جميع الشركات العالمية الكبرى التي تهتم بالتكنولوجيا وبأبحاث التكنولوجيا في كل أنحاء العالم مثل شركة الأوراكل وغيرها من الشركات الضخمة وقل ما نجد مثل هذه المدينة في البلاد العربية والإفريقية فأهل مصر يهتمون بكل شئ لمواكبة العصر الحديث بعد أن إهتموا بالعصور السابقة جيداً.
 بعد إجتيازنا لمحافظة 6 أكتوبر الجميلة، دخلنا محافظة القليوبية وبكل صراحة لم ألاحظ أبداً أن هنالك صحراء، ربما الصحراء كان في مخيلتي فقط، ولم أشاهد سوى الأشجار الخضراء والقرى السياحية المتعددة هنا وهناك، وهذا الطريق الصحراوي طريق دولي وكبير، وكل إتجاه سير للطريق لوحده أي أن الذاهب إلى الإسكندرية يسير بخط لوحده وكذلك القادم من الإسكندرية إلى القاهرة تفادياً لعمليات الإزدحام والحوادث المرورية.
بعد مضي ساعتان تقريباً وصلنا مشارف مدينة الإسكندرية، وبعد إجتيازنا لنقطة التفتيش دخلنا الأحياء والضواحي الجنوبية لمدينة الإسكندرية، ومررنا بتلك الطرقات الرائعة والقرى السياحية العملاقة جنوب المدينة وأسواق كارفور الحديثة … إلخ.
 المناخ في الإسكندرية منذ دخولنا كان مختلفاً، بها جو رطب ممزوج ببعض البرودة بالرغم من أننا كنا في فصل الصيف، وصلنا إلى محطة الحافلات في الإسكندرية بالقرب من محطة (سيدي جابر) الشهيرة، وأول ما لفت نظري في مدينة الإسكندرية هي قاطرة (الترام) الشعبية في مصر، فهي وسيلة نقل رسمية في الإسكندرية ولكنها لا تتجول في كل أنحاء الإسكندرية وثمن الذكرة في ذلك الوقت كان 25 قرشاً فقط (أي شبه مجانية) وهي تسير ببطء شديد وعلى خطوط سكك حديدية بسيطة وقديمة جداً.
 لم أفوت فرصة التحدق بناظري داخل المدينة التاريخية، أجزاء كبيرة من المدينة بنيت تقريباً على الطراز الإغريقي والروماني وعلى الطراز القبطي وبعض الطرازات الإسلامية والحديثة المنتشرة هنا وهناك، وهي مدينة لا تشبه القاهرة في شئ، حتى إنسانها يختلف عن إنسان القاهرة معظمهم (أي جذورهم) من الإغريق والأقباط والإيطاليين وبعض الجنسيات الأوروبية وبعض العرب والمصريين، حدائق جميلة خضراء، جو بديع ومنعش، مؤسسات عريقة، مساجد وكنائس وأحياء جميلة، وكأنك في دول الساحل الأوروبي خاصة تلك الدول التي تطل على البحر الأبيض المتوسط، طرقاتها نظيفة جداً والحدائق بها في كل الأطراف، وهي مدينة منظمة وتجبرك على إحترامها منذ الوهلة الأولى، كل شئ كان هادئاً وجميلاً ومنسقاً.
 ذهبنا إلى منزل أحد أقاربي بحي محرم بك، كانت تلك الشقة ملكاً لعمي الراحل كمال (عليه الرحمة) في السابق وباعها فيما بعد، ولكني تعجبت كثيراً عندما زرت تلك الشقة فهي في الطابق الخامس تقريباً وبدون مصعد كهربائي وشقة شبه مغلقة ولا تكثر فيها الشرفات (البلكونات)، وعرفت حينها لماذا باعها ومن ثم باعها قريبي الآخر أيضاً! بالرغم من أن بيع الشقق في أي جزء بمصر جريمة لا تغتفر على حسب وجهة نظري الضعيفة.
بعد أن أخذنا قسطاً من الراحة ذهبنا إلى منطقة (خالد بن الوليد) وبها شارع يسمى بنفس إسمها وهو شارع حيوي وبه متاجر مختلفة ومصدر دخل لمعظم الأسر في الإسكندرية، ذهبنا من هناك إلى حي العصافرة الساحلي الرائع في شرق الإسكندرية، كان لنا أصدقاء أيضاً في منطقة العصافرة، أذكر منهم الباشمهندس أسعد من منطقة السكوت وقد رافقنا في العبارة التي كنت عليها ما بين وادي حلفا وأسوان وإفترقنا في محطة أسوان للقطارات فقد كان مع والديه، وكان معه أيضاً الصديق الآخر أحمد صالح (تينا). 
قررت أن أقضى الليلة معهم ورحبوا بي كثيراً، وبعد صلاة المغرب إتفقنا أن نذهب إلى شاطئ العصافرة ولأول مرة أرى في حياتي البحر الأبيض المتوسط بنفسي (بحر الـــروم) كما كان يسمى في الماضي، لكنه بحر أبيض وقلبه أبيض وأمواجه زرقاء وشواطئه ساحرة وبديعة، وهواءه منعش، وإنسان الإسكندرية إنسان راقي ومتحضر وإنسان مرح بصورة عامة.
 جلسنا نحن الثلاثة في مقهى ميلانو الشهير والمطل على شاطئ العصافرة بالإسكندرية، حينها إستمعتنا بالمشروبات المصرية وبالمشروبات الغربية والشرقية ونحن ننظر لشواطئ البحر الأبيض المتوسط، ونطرب أسماعنا بتلاطم أمواج البحر المتوسط مع شواطئ الإسكندرية الرملية الساحرة، لم نشعر بالوقت وعدنا إلى الشقة عند ساعات الفجر الأولى.
 في صبيحة اليوم التالي قمنا بجولات كثيرة داخل أحياء الإسكندرية العريقة وشواطئها الرائعة، وفي المساء قررنا الرجوع إلى القاهرة لأن كل الإذاعات وشاشات التلفاز كانت قد أعلنت أن يوم الغد هو أول يوم في شهر رمضان، وعدنا بنفس الطريق الصحراوي ولكننا عقدنا العزم على العودة مرة أخرى في عيد الفطر المبارك لأن يومان فقط في الإسكندرية لا يكفيان أبداً.
 تعاهدنا في ذلك على أن نأتي إلى الإسكندرية للإقامة بها لمدة أسبوع أو 5 أيام على الأقل وأن نأتي مع مجموعة الشباب الذين يقطنون معنا في نفس الشقة المستأجرة بحي عابدين بالقاهرة وعدنا في نفس الليلة وعن طريق القاهرة -  الإسكندرية الصحراوي.
 صراحة لم إستمتع بأجواء الإسكندرية هذه المرة كثيراً لضيق الوقت ولأن شهر رمضان كان على الأبواب، ولكني قررت تكرار الزيارة لهذه المدينة الجميلة ذو الطراز الأوروبي مرة أخرى.

رمضان في القاهرة
شهر رمضان في القاهرة غير، والشهر كله خير في خير، حيث الفوانيس المتناثرة هنا وهنالك، والوشاحات الرمضانية الشهيرة بالأحياء الشعبية، تحتفظ شوارع القاهرة وحواريها وأزقتها بجاذبيتها في شهر رمضان المبارك وفي الأعياد الكبيرة، فتجذب السائحين من مختلف الجنسيات، بل ومن مختلف الديانات للإحتفال بهذا الشهر الذي يبدع فيه المصريون لإسعاد الزائرين، ولإسعاد أنفسهم أيضاً، فتختلط شعائر العبادة بروائح المسك والعنبر، وتمتزج بالإحتفالات والإبتهالات وبفانوس رمضان وبصوت المسحراتي وبرائحة الحلوى الرمضانية، وبين الأحياء الشعبية القديمة والفنادق ذو الخمس نجوم، تقام الخيم الرمضانية التي تقدم الأكلات المصرية والشرقية، وألواناً من الفنون المختلفة.
 وتبدأ مظاهر الإحتفال بالشهر الكريم، في القاهرة التاريخية (المدينة القديمة)، وإنطلاقاً من طريق الحسين وشارع المعز لدين الله الفاطمي وسكة الخان (خان الخليلي) تحديداً، والسائح (المتمكن) يبدأ يومه بالصلاة في مسجد الحسين، والتنقل بين أزقة حي الحسين لإختيار مطعم من ضمن المطاعم المتراصة على هذا الطريق للإفطار، قبل دخول سكة الخان ويعتبر مطعم (الدهان) أشهر مطاعم هذه المنطقة، ويقدم الأكلات المصرية والشرقية، ويعتبره الكثير من السياح والسكان المحليين أفضل مطاعم المنطقة.
بعد الإفطار يجدر بالسائح البدء في رحلة ممتعة خلال خان الخليلي، الذي يرجع عمره إلى 600 عام مضت، حيث بني في عصر المماليك، وتلتقط أنفاس زائر الخان رائحة التاريخ مختلطة بروائح البخور ودهن العود ودخان المستكة، وتلمس قدماه الأرضية المبلطة بحجر بازلتي أسود لامع، كما تتسلل إليه حوانيت عديدة مليئة بالكنوز والتحف النادرة المصنوعة بمهارة من خلال أسلوب واحد عرفت به القاهرة القديمة في عرض بضائعها، وما زال قائماً حتى الآن من خلال الأسواق المتلاصقة والحوانيت التي تملأ الحارات وتعرض نفس البضاعة بأسعار متفاوتة، لتشبه معرضاً دائماً ومستمراً لكافة أنواع الأصناف والألوان من ذهب وماس وفضة، وأوراق البردي التي تحمل كلمات هيروغليفية وتمائم وأيقونات.
ولمن تعب من التجول القاهري الرمضاني عليه أن يستريح ليلتقط أنفاسه، فليتجه صوب مقهى (الفيشاوي) الشهير، الذي أسسه فهمي علي الفيشاوي عام 1798م كما ذكرت في سطور سابقة.
وفي القاهرة ينقضي الوقت سريعاً، فإذا وجدت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة مساءاً، وأردت أن تقضي ليلة رمضانية تسمع فيها الموسيقى وتشاهد الفنون المختلفة التي تناسب الأجواء الروحانية للشهر، فلا حاجة للسير بعيداً، حيث أن وزارة الثقافة المصرية تحيي أكثر من 100 ليلة رمضانية في مراكز الإبداع الفني التابعة لها والمتمثلة في البيوت الأثرية في منطقة القاهرة التاريخية، تحت إشراف صندوق التنمية الثقافية، وأول هذه البيوت (بيت الهراوي) والذي يرجع إسمه إلى آخر ملاكه عبد الرحمن بك الهراوي، الذي غادر عام 1921م، ويرجع بناؤه لنهاية القرن السادس عشر ويجمع في طرازه المعماري بين عدة عصور ويقع خلف الجامع الأزهر الشريف.
الحديث يطول ويطيل عن شهر رمضان المعظم، وفي كل تنقلاتي هذه كان معي صديقي جاسم الشيخ وهو خبير بالأحياء المصرية وبمعالمها الحيوية وذلك من خلال تواجده المستمر في القاهرة وكان طالباً في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
كانت شقتنا كالعادة تضج بالأصدقاء وكنا نتسامر ونتجالس ونحتسي القهوة والشاي وبلعب الورق (الكوتشينة) حتى آذان الصبح وبعد الصلاة كنا ننام ونصحو عند الساعة الثالثة ظهراً لتعويض ما فاتنا من السهر ثم نقوم بتحضير الإفطار والصلاة وحضور البرامج الرمضانية في شاشات التلفاز، ومنا من كان يقضي وقته عبر شاشات اللاب توب في مواقع الإنترنت المختلفة ومنا من كان يداوم على قراءة القرآن مثل صديقنا طلحة من أبناء (دنقلا العجوز)، أو من يطالع إحدى الصحف المصرية اليومية أو الكتب الثقافية أو المجلات الأسبوعية، فالوقت يمضي وبسرعة وبمتعة.
تعتبر جمعية (صاي) من الجمعيات النوبية العريقة جداً في وسط البلد وخاصة في حي عابدين وكانت البناية التي بها الجمعية ملاصقة للعمارة التي بها شقتنا وهذه الجمعية تأسست في عام 1914م.
منطقة عابدين عامة يقطن بها الكثير من النوبة سواء من مصر أو السودان ومعظمهم كانوا عمالاً وموظفون في قصر عابدين في زمن الأسرة العلوية لأنهم مشهورين بالأمانة وبالصدق والعمل الجاد وبالنظافة كذلك، حيث تم مكافأتهم بتمليكهم لشقق كثيرة في وسط البلد ونلاحظ كثرة جمعياتهم كجمعية أبو سمبل وغيرها في شارع محمد فريد.
 كنت أذهب في بعض المرات إلى مقهى إنترنت ذو طابقين قريب من مكان شقتنا وهو ملك لسوداني من منطقة المحس ومقر المقهى في نفس العمارة التي يمتلكها وهو يقطن مع أسرته هناك وإسم المقهى هو (الطيب نت) والذي تم إغلاقه لاحقاً، والأسر السودانية كثيرة جداً في القاهرة ومعظمهم من منطقة المحس والسكوت وحلفا.
 جمعية صاي كما ذكرت سابقاً من أشهر الجمعيات السودانية في القاهرة وكل سوداني يعرفها عن ظهر قلب وكانت تقيم إفطارات جماعية لكل الناس، هنالك سودانيون يقضون شهر رمضان في القاهرة ويأتون إليها من أمريكا وكندا وأوروبا وبعض دول الخليج ومن السودان أيضاً، فشهر رمضان في القاهرة شئ جميل، وفي كل يوم كنا في حي جديد وببرامج جديدة وعدى علينا الشهر في القاهرة وكأنه أسبوع واحد فقط.
 كما مر علينا العيد بصورة عادية ولم نتجول كثيراً في مساجد مصر العريقة بل حتى صلاة العيد قد فاتتنا ولأول مرة في حياتي تفوتني صلاة العيد ولكن كل تفكيرنا هو الذهاب إلى الإسكندرية كما إتفقنا نحن الشباب عليها من قبل، وقررنا أن نذهب في رابع أيام عيد الفطر المبارك.
إسكندرية يا مرية
إنتظرت رابع أيام عيد الفطر بفارغ الصبر وقررنا الذهاب أنا وصديقي محمد حاج همت (حمو حاج) قبل الأصدقاء الآخرين إلى الإسكندرية لأنهم كانوا مترددين ما بين الذهاب إلى منطقة العين السخنة في البحر الأحمر أو الإسكندرية ولكن الرأي الأرجح كان هو الذهاب إلى الإسكندرية وقضاء عدة أيام لأن الذهاب إلى منطقة العين السخنة معناها أن نعود أدراجنا في نفس اليوم وهذا ما لم نتفق عليه كثيراً، وإقترحت على صديقي هذه المرة الذهاب عن طريق القطار لأن السفر إلى الإسكندرية عن طريق القطار ليس كالسفر عن طريق الحافلات الصغيرة عبر طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي.
 قمنا بشراء التذاكر سريعاً وجاء القطار وفي الزمن المحدد بالضبط وتحرك في الزمن المحدد أيضاً، وكنت متشوقاً جداً لرؤية الوجه البحري عبر القطار، وكذلك لرؤية أجزاء كبيرة من دلتا النيل ومحافظات مصر الأخرى في الوجه البحري، إجتاز القطار مدينة القاهرة الكبرى ووصل محافظة القليوبية وأولى المحطات التي وصلنا إليها هي مدينة (بنها) وبعد ذلك وصلنا محطة مدينة طنطا (بلد الأوانطة) وهي مدينة كبيرة جداً ونظيفة وبها إكتظاظ سكاني.
بعد ذلك وصلنا محطة مدينة (دمنهور) الشهيرة جداً ثم محطة مدينة (كفر الدوار) وكل هذه المحافظات والمدن هي مدن نظيفة ورائعة وبها معمار جميل جداً وكلها مناطق زراعية وخضراء وبها مياه وفيرة ومن كل الجوانب والمحاصيل التي تزرع هناك لا حصر لها وهي مناطق الفلاحين الأساسية وهم ملوك الزراعة في مصر وإعتمادهم الكلي ينصب على الزراعة.
 بعد إجتيازنا لكل تلك المحطات وصلنا محطة (سيدي جابر) الشهيرة في الإسكندرية عند المساء، ومحطة قطار سيدي جابر هي المحطة الرئيسية في الإسكندرية، وتوجد في حي سيدي جابر بوسط الإسكندرية الحديثة، وتمر بها قطارات السفر إلى القاهرة وبعض المدن الرئيسية في مصر، بالإضافة إلى قطارات الخط الداخلي (خط أبو قير) الذي يربط بين محطة الإسكندرية ومدينة أبو قير شرق الإسكندرية.
قمنا بإستئجار إحدى سيارات الأجرة الخاصة بالإسكندرية وبالإتفاق مسبقاً لأن هنالك سيارات تعمل على حسب العداد، وصلنا منطقة خالد بن الوليد وبحثنا هناك عن الشقق كثيراً ولكن لم نتفق مع أصحاب الشقق والسماسرة في شئ، وأقترحت علي صديقي الذهاب لحي العصافرة، ذلك الحي الذي زرته من قبل (أي قبل أكثر من شهر)، وبالفعل وجدنا شقة جميلة ولكنها لا تطل على البحر مباشرة بل إلى الداخل قليلاً (الناصية الثانية).
وأذكر فيما أذكر أننا قمنا بإستئجارها من إحدى سيدات (كفر الشيخ) وسعر الشقة لليوم الواحد كان (70 جنيهاً) والشقة كانت في الطابق الثالث وبدون مصعد كهربائي، بينما أسعار الشقق التي تطل على البحر في سان ستيفانو وخالد بن الوليد والمنتزه ومارينا وفي العصافرة نفسها وعلى البحر مباشرة (200 جنيهاً) في اليوم الواحد على الأقل وتختلف من عمارة لأخرى على حسب نوع الخدمات وما إلى ذلك.
قمنا بتنظيف الشقة وإعدادها جيداً لأن باقي الأصدقاء قرروا المجيئ إلى الإسكندرية في اليوم التالي، بعدها ذهبنا إلى البحر المتوسط وإستمعتنا كثيراً بأجواء الإسكندرية الساحرة، وقمت بتأجير شقة أخرى مجاورة لنا لقريبي وصديقي مصعب علي عوض، فقد جاء إلى مصر مع والديه وقرروا قضاء يومان بالإسكندرية للترفيه عن أنفسهم وهو تفكير منطقي فالإبتعاد عن أجواء القاهرة شئ هام وضروي لكل الناس، والعمارة التي قطنوا فيها بها مصعد كهربائي.
في صباح اليوم التالي ذهبنا نحن الثلاثة إلى المطاعم المجاورة لنا وإلى محلات الحلوى المنتشرة وإلى الشواطئ القريبة من الحي وكلما ذهبنا إلى مكان ما نجده أفضل من الأخرى، الحياة في الإسكندرية لديها طابع خاص، خاصة في فصل الصيف المشمس والحار، حيث المصايف الممتلئة بالأجانب وبكل المصريين ومن جميع المحافظات المختلفة.
جاء أصدقائنا في نهاية اليوم التالي لنا وقضينا باقي الوقت مع بعضنا البعض داخل الشقة ووضعنا برنامج الغد وقررنا في البدء الذهاب إلى قلعة قايتباي الشهيرة (مكان فنار الإسكندرية التاريخي الشهير)، والمعلومات المتوافرة عندي لهذه القلعة بأنها تقع في نهاية جزيرة (فاروس) بأقصى غرب الإسكندرية، وشيدت في مكان فنار الإسكندرية القديم والذي تهدم سنة 702هـ إثر الزلزال المدمر الذي حدث في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون.
 وقد بدأ السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي بناء هذه القلعة في سنة 882هـ وإنتهى من بنائها سنة 884هـ، وكان سبب إهتمامه بالإسكندرية كثرة التهديدات المباشرة لمصر من قبل الدولة العثمانية والتي هددت المنطقة العربية بأسرها.
بنيت قلعة قايتباي على مساحة قدرها 17.550 متر مربع وقد بنيت على هذه المساحة أسوار القلعة الخارجية وإستحكاماتها الحربية وهي عبارة عن مجموعة من الأسوار بنيت لزيادة تحصين القلعة وهذه الأسوار عبارة عن سورين كبيرين من الأحجار الضخمة التي تحيط بالقلعة من الخارج والداخل أعدت لحماية القلعة، فالسور الأول هو السور الخارجي ويحيط بالقلعة من الجهات الأربع فالضلع الشرقي من هذا السور يطل على البحر ويبلغ عرضه مترين وإرتفاعه ثمانية أمتار ولا يتخلله أي أبراج أما الضلع الغربي فهو عبارة عن سور ضخم سمكه أكبر من باقي أسوار القلعة يتخلله ثلاثة أبراج مستديرة ويعد هذا السور أقدم الأجزاء الباقية، أما الضلع الجنوبي فإنه يطل على الميناء الشرقية ويتخلله ثلاثة أبراج مستديرة ويتوسطه باب، أما الضلع الشمالي فيطل على البحر مباشرة وينقسم إلى قسمين الجزء السفلي منه عبارة عن ممر كبير مسقوف بني فوق الصخر مباشرة به عدة حجرات أما الجزء العلوي فهو عبارة عن ممر به فتحات ضيقة تطل على البحر.
ذهبنا إليها عبر عربة طويلة وسياحية ومكشوفة من الأعلى وهذه العربة مخصصة لزيارة الإسكندرية كلها وسعر التذكرة 3 جنيهات ولكن بإمكانك زيارة كل معالم الإسكندرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط بهذه الجنيهات البسيطة.
بعد قضاء أوقاتاً رائعاً هناك وأخذ الصور التذكارية قررنا زيارة مكتبة الإسكندرية الضخمة، ويا لها من مكتبة عملاقة.
تستحق هذه المكتبة العظيمة المكانة التاريخية التي أعطيت لها، وتاريخياً عرفت هذه المكتبة بإسم مكتبة الإسكندرية الملَكية أو المكتبة العظمى أو ببساطة مكتبة الإسكندرية وهو أكبر مكتبات عصرها، شيدها بطليموس الأول، ويقال أنه تم تأسيسها علي يد الإسكندر الأكبر قبل ثلاثة وعشرين قرناً، ويقال أيضاً أنه تم تأسيسها على يد بطليموس الثاني في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد عام (285 ـ 247).
تم إعادة إحياء المكتبة في مشروع ضخم قامت به مصر بالإشتراك مع وكالة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، حيث تم بناء المكتبة من جديد في موقع قريب من المكتبة القديمة، تم إفتتاح المكتبة الحديثة في أكتوبر 2002م وهي مكتبة ضخمة وبها قاعات متعددة تحوي كل قنوات الثقافة وزيارتها واجب لكل من زار مدينة الإسكندرية، وكالعادة إستمتعنا بزيارة هذا الصرح التاريخي وأخذنا الصور التذكارية، هذه المكتبة لم تفارق مخيلتي أبداً.
في الأيام التالية زرنا الكثير من الأحياء الإسكندرانية والمراكز التي بها وكذلك الأسواق الشهيرة بالإسكندرية، وحدائقها ومساجدها ومحطاتها ومطاعمها وشواطئها وشوارعها ومعالمها المنتشرة هنا وهناك، وأنديتها الرياضية المختلفة.
أدعو كل من يزور الإسكندرية أن يزور هذه المعالم وهي: (عمود السواري، تاريخياً يعتبر عمود السواري من أشهر المعالم الأثرية في الإسكندرية، فقد أقيم فوق تل باب سدرة بين منطقة مدافن المسلمين الحالية والمعروفة باسم مدافن العمود وبين هضبة كوم الشقافة الأثري، ويصل طوله إلى حوالي 27 متراً ومصنوع من حجر الغرانيت الأحمر.
كما على الزائر أن يمر ويزور قصر المنتزه وهو أحد القصور الملكية بمصر، وبناه الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892م بمدينة الإسكندرية، يقع القصر داخل حدائق تعرف بإسمه (حدائق المنتزه).
 وعليه أن يزور أيضاً المتحف اليوناني الروماني وهو متحف للآثار في مدينة الإسكندرية في مصر ويعرض تشكيلة واسعة من الآثار التي عثر عليها في الإسكندرية وما حولها وهي في معظمها آثار من العصر البطلمي والعصر الروماني اللاحق له وتحديداً منذ نشأة الإسكندرية من القرن الثالث قبل الميلاد إلي القرن الثالث بعد الميلاد وإفتتح المتحف في 17 أكتوبر 1892م.
 وعليه أن لا ينسى زيارة متحف المجوهرات الملكية وهو متحف يعرض مجوهرات الأسر المالكة التي حكمت مصر، ويقع في مدينة الأسكندرية، وشيد القصر العام 1919م في منطقة زيزينيا وهو تحفة معمارية، وتبلغ مساحته 4185 متراً مربعاً.
 كما أن زيارة متحف الاسكندرية القومي واجبة لكل الناس ويحتوي المتحف على مايزيد عن 1800 قطعة أثرية تمثل معظم العصور التي مرت على المدينة التي تأسست في العام 332 قبل الميلاد، ومبنى المتحف هو عبارة عن قصر سابق لأحد تجار الأخشاب الأثرياء في المدينة وهو "أسعد باسيلي"، الذي قام بإنشائه على طراز المعمار الإيطالي. 
في معالم الإسكندرية يعتبر مسجد المرسي أبو العباس من أقدم وأشهر المساجد التي بنيت بالإسكندرية في مصر، ويشتهر بناء الجامع بقبابه المميزة الشكل، وهو من أهم ما يميز منطقة أبو العباس في منطقة بحري بالمدينة، وهو من أهم وأقدم وأشهر جوامع الإسكندرية مسجد أبي العباس المرسي، أو كما يسميه أهل الإسكندرية المرسي أبو العباس يضم ضريح العارف بالله الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن على الخزرجي الأنصاري المرسي، الذى يتصل نسبه بالصحابي الجليل سيد الخزرج.
وهنالك بعض المعالم لا بد من زيارتها ولو لمدة نصف ساعة وهي المسرح الروماني - جبانة كوم الشقافة في منطقة كرموز - معبد الرأس السوداء ومقبرة اللاتين - مقبرة الشاطبي في محطة الشاطبي أمام مدرسه سان مارك - مقابر مصطفي كامل وتقع بشارع المعسكر الروماني برشدي وهى عبارة عن أربعة مقابر من العصر البطلمي - مقابر الأنفوشي تقع أمام مدخل رأس التين وتوجد بالمنطقة خمسة مقابر ولكن إثنتان منهم تعتبر من أهم المقابر بالمنطقة حيث تم إكتشافها عام 1901م ويرجع تاريخها إلى العصر البطلمى القرن الثالث قبل الميلاد وتتميز المقبرتان بنقوشها الجميلة وتصميمها البنائى الفريد.
ومن معالم المدينة الساحرة آثار البرديسي سميت هذه الآثار بهذا الاسم لوقوعها على شارع البرديسي المجاور لمسجد سيدي عبد الرزاق الوفائي والمطل على شارع النبي دانيال، ومن المعالم الأخرى صهريج الشلالات ويقع في منطقة الشلالات ويطل على شارع الشهيد صلاح مصطفى.
وبصورة مختصرة عليه زيارة هذه الأماكن مثل: (محطة سيدي جابر - إستاد برج العرب - إستاد المكس - نادي الإتحاد السكندري - نادي سموحة - نادي سبورتينغ - نادي حرس الحدود - منطقة برج العرب - ميناء الدخيلة - متحف الإسكندرية القومي ويقع في طريق الحرية - متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية ويقع في حي محرم بك - متحف ومعهد الأحياء المائية - ويقع في الأنفوشي بجوار قلعة قايتباي - متحف المجوهرات الملكية - متحف كفافيس - متحف البرديات، … الخ).
وأشهر شواطئ الإسكندرية هي: (المعمورة - المنتزه - المندرة - العصافرة - ميامي - سيدي بشر - سان إستيفانو - جليم - خليج ستانلي - رشدي - سيدي جابر - كليوباترا - الإبراهيمية، والشاطبي … إلخ)، وتمتدّ كلّ هذه الشواطئ على طول الإفريز.
وعليه أن يزور أحياء الإسكندرية العريقة مثل: (المنتزه – ميامي - المندرة - سيدي بشر – خالد بن الوليد – العصافرة - فيكتوريا - لوران - جناكليس - شتس - باكوس - سان اسيتفانو - زيزينيا - سابا باشا - جليم - مصطفى كامل - سيدي جابر - بولكلى - المنشية – الأنفوشي - المعمورة - وابور المياه - اللبان - المكس - … إلخ).

العودة للقاهرة مرة أخرى
بعد ذلك عدنا من مدينة الإسكندرية الجميلة - Alexandria - إلى القاهرة ولكن هذه المرة عن طريق (الإسكندرية – القاهرة) الصحراوي مرة أخرى، وبعد ذلك قمت بتكملة زياراتي لمعالم القاهرة المختلفة مع صديقي العزيز جاسم الشيخ فقد سكنت بالقاهرة بعد العودة من الإسكندرية لأكثر من شهران ونصف وهي مدة ليست بالبسيطة لزيارة كل أو معظم معالم القاهرة وصراحة لم نترك شيئاً للصدفة أبداً.
كنت حريصاً على زيارة كل معالم القاهرة فهذه الفرصة ربما لن تتكرر مرة أخرى، مكثت قرابة الأربعة أشهر في مصر ما بين أسوان والقاهرة والإسكندرية وكانت رحلة ممتعة جداً ولا تفارق مخيلتي أبداً ولن تفارقها، وإنضم إلينا فيما بعد قريبي عليش عبد المجيد والذي أبى إلا وأن يؤجر شقته بالقرب من مكان تواجدنا في وسط البلد، قمنا بتأجير شقة له في عمارة مشهورة جداً بالقرب من سوق الإثنين في شارع محمد فريد وهذه العمارة تسمى بعمارة (50) وهي عمارة ضخمة جداً تتكون من 10 طوابق تقريباً وكل طابق به 4 شقق وهي من أشهر عمارات وسط البلد تقريباً وأسعار الشقق هناك متوسطة وبها أسر سودانية كثيرة. 
عادة المصريين يفضلون السودانيين والأجانب في الإيجارات كثيراً لإلتزام السودانيين بدفع الإيجار، واليوم يبدأ عند الساعة الــ 12 ظهراً وينتهي بعد 24 ساعة بالضبط.
 بعد إنضمام صديقنا عليش معنا بالإضافة إلى صديق آخر من جمهورية مالي إسمه (علي) وكان يسكن في حي الهرم بالجيزة، فقد توسعت وزادت زياراتنا للمعالم السياحية في القاهرة، كثيراً أذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر (مول سيتي ستارز، شارع الهرم الحيوي جداً في الجيزة ويقع هذا المكان في حي الهرم، سينمات وسط البلد، حديقة ماجيك لاند، … إلخ).
 في بعض الأحيان كنت أخرج لوحدي فزرت حدائق حيوانات الجيزة، نادي الزمالك، والنادي الأهلي، ونادي الجزيرة، ولم نشأ أن نترك زيارة الإهرامات في الجيزة خاصة مع صديقي جاسم فهي معروفة عالمياً ورمز البلاد الخالدة.
فوت فرص عديدة لزيارة مدينة (شرم الشيخ) السياحية في شبه جزيرة سيناء وكذلك مدينة الأقصر والغردقة والعين السخنة وميناء بور سعيد لكثرة إنشغالي بالقاهرة والإسكندرية، فقد كان لنا صديق من مدينة قنا يعمل كمرشد سياحي في شرم الشيخ ودعانا كثيراً لزيارته بشرم الشيخ، ولكني لم أندم على كل ذلك أبداً فمدن أسوان والقاهرة الكبرى والإسكندرية وما بينهما تكفيك كثيراً.

مصر دولة عظيمة وفي كل شئ، في شوارعها وفي مقاهيها وفي إنسانها وفي مزارعها وفي جبالها وفي مدنها وفي أريافها وفي نيلها وفي صحاريها وفي وديانها وفي بحارها وفي حاراتها وفي كل شئ، بإختصار لم يكذب الفيلسوف والمؤرخ اليوناني (هيرودوت) عندما قال عن مصر قولته الشهيرة: "مصر هبة النيل".

 هي أرض الأهرامات ومدينة الأقصر والنوبة والواحات والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ونهر النيل وشبه جزير سيناء، والمدن والمنتجعات السياحية، ودلتا النيل، وقناة السويس، والأزهر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ...إلخ، وقد زارها وعاش فيها وبها معظم الأنبياء ورجال الدين كما يسمون، ومعظم العظماء والعلماء والمشاهير ورجال التاريخ والملوك والأمراء والغزاة وفي كل العصور ولأكثر من 7000 عام.

السودان مرة أخرى
بعد إنقضاء الأيام السعيدة والرائعة عدت إلى الخرطوم مرة أخرى عن طريق الخطوط الجوية الخاصة والمعروفة بـ (صن إير)، ويسميها الجالية السودانية في مصر بـ (صن طير) والمعنى واضح بكل تأكيد، كالعادة مكثنا في الصالة القديمة بمطار القاهرة الدولي قرابة الــ 4 ساعات، والمطار القديم ملاصق للمطار الجديد والمقصود هنا الصالات والمحطات وليس مطاران منفصلان كما يفهم البعض.
 والحديث عن مطار القاهرة يطول ويطول، فحركة الطيران لا تتوقف ويتعاملون بأحدث الأجهزة وهو مطار ضخم ودولي بكل ما للكلمة من معنى، والسياح لا حدود لهم والطائرات التي تهبط في مطار القاهرة وبالعكس كثيرة جداً.
 رجعت إلى السودان لأنني قررت السفر إلى أمريكا أو الدول الأوروبية عن طريق السودان ففي مصر الفرص صعبة، وعيد الأضحى المبارك كان على الأبواب فعدت إلى السودان، وطوال الأيام الأولى لعودتي إلى السودان كان كل عقلي وتفكيري في شمال الوادي.




هناك تعليقان (2):

  1. تأسست شركة ايه بى سى للسياحة عام 2004 ترخيص رقم 1290 فئة ( أ ) سياحة عامة .. أكبر نسبة فوز في قرعة الحج وأفضل وأرخص رحلات الحج والعمرة .وحجز تذاكر الطيران ورحلات السياحة الداخلية والخارجية ، خبرة وأشراف على أعلى مستوى فى خدمة عملائنا الكرام.
    https://abctraveleg.com/

    ردحذف
  2. قصة خيالية ومشوقة ورائعة
    تستحق ان تكون فيلما سينمائيا
    او مسلسلا جميلا أو كتابا مهما

    ردحذف