دائماً وأبداً ما يتناقش ويتجادل الشعب السوداني عن (عضوية) السودان في جامعة الدول العربية، وهل مطلوب من دولة السودان أن تتحول إلى دولة عربية وأن تتثقف بثقافة العرب؟! طالما هي دولة منضوية تحت سقف وسماء العرب؟!، بالرغم من أن أغلبية القبائل والإثنيات في السودان ليست عربية، بل هي في أغلبها قبائل أفريقية والقليل منها عربية، وأخرى ما بين هذا وذاك، إلا أن العامل المشترك بينهما هي اللغة العربية والقليل من ثقافتها وعاداتها.
للحديث عن جدلية وجود السودان تحت لواء هذه الجامعة فعلينا أن نسبر القليل من أغوار هذه الجامعة لنعرف ونتيقن أن تواجد السودان فيها لن يضرها في شيء أبداً، بل على العكس.
بإختصار، جامعة الدول العربية (22 دولة) هي منظمة إقليمية تضم دولاً في آسيا وأفريقيا ويعتبر أعضاؤها دولاً عربية، تتخذ من القاهرة مقراً لها منذ التأسيس في 22 مارس 1945م وتحولت إلى تونس العاصمة من 1979م إلى 1990م قبل أن تعود إلى القاهرة مجدداً.
ينص ميثاقها على التنسيق بين الدول الأعضاء في الشؤون الإقتصادية، ومن ضمنها العلاقات التجارية، الإتصالات، العلاقات الثقافية، الجنسيات ووثائق وأذونات السفر والعلاقات الإجتماعية والصحة.
وكذلك إتفاقية تسهيل التبادل التجارى، التعريفة الجمركية الموحدة، إنشاء المؤسسة العربية للإنماء الإقتصادى، إتفاقية الوحدة الإقتصادية وإتفاقية الدفاع العربي المشترك.
هذه الأهداف المعلنة (التي لم تطبق إلى أرض الواقع حتى الآن إلا اليسير منها) تظل أهداف قوية وتنموية وإستراتيجية ومشرعة ومفيدة لكل هذه الدول إذا ما طبقت على أرض الواقع، إذاً السودان كدولة تتمتع بهذه العضوية ستستفيد منها كثيراً.
لكن الجدلية العقيمة التي تعتصر وتحنق وتخنق وتتواجد في الشارع السوداني وبصورة يومية وروتينية هي جدلية الهوية نفسها (بالرغم من أن العلم الحديث أثبت أن زمن العرق النقي قد ولى وذهب)، هل نحن عرب؟ أم أفارقة؟ أم شعوب مختلطة؟ أم شعوب أخرى؟!، التفكير العاطفي والعقيم لدى الإنسان السوداني والذي يقدم القلب قبل العقل من أسباب تدهورنا وتراجعنا القهقري.
فمن وجهة نظري أراها مجرد (ثرثرة) لا تقدم بل تؤخر وتعقد الأمور، حتى لو سخر (بعض) العرب من هذه العضوية، فهي سخرية عابرة ليس إلا، فلا يمكن أن نقدم مصلحة الوطن والشعب على سخرية البعض في شئ تافه، لأنها (أي السخرية والتهكم غير موجودتان في القواميس الإقتصادية والتجارية والسياسية والإستراتيجية)، فالسودان كدولة متواجدة بها منذ 19 يناير 1956م.
ولو كانت العضوية تشترط بوجود عرق أبيض قح من قبل الدول الأعضاء لما رأينا دولاً مثل مصر (سكانها الأصليون نوبة وقبط بالإضافة لعرق مختلط من شعوب عدة والصعايدة وبعض العرب)، دول شمال أفريقيا (أغلبها أمازيغ، طوارق، بربر، أجناس أوروبية مختلطة وبعض العرب)، بل حتى أن دول الشام ومعهم العراق أغلبها في الأساس تتكون من شعوب غير عربية مثل (الفينيقيين في لبنان، الأكراد في سوريا والعراق، السريان في سوريا، مع بعض العرب هنا وهناك).
إذاً هي دول أعضاء لأن اللغة الرسمية بها هي اللغة العربية ولأن ثقافة هذه الدول هي عربية وشرقية ولأنها تجاور الدول العربية الأصيلة في شبه الجزيرة العربية، وربما لعامل الدين والتاريخ والجغرافيا والمال والأعمال والإختلاط المستمر وما إلى ذلك.
هذه العوامل نفسها موجودة وبكثرة في السودان، وحسماً للجدال فاللغة العربية هي اللغة الرسمية في السودان بغض النظر عن اللكنات أو اللهجات، فأهل شمال السودان لن يستخدموا اللغة النوبية عندما يتحدثون مع إخوانهم من غرب السودان، والعكس كذلكـ، ونفس الشيء لن يتحدث أهل الشرق مع إخوانهم من وسط أو جنوب السودان إلا باللغة العربية، وهكذا دواليك، وهي لغة الدولة والشعب، ومع ذلك اللغة لوحدها ليس عاملاً جوهرياً كما أسلفت.
فمثلاً، تركيا تريد الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، وهم يعلمون وغيرهم يعلمون أيضاً أنهم ليسوا من شعوب أوروبا، ولكنها لعبة المصالح المشتركة والأهداف السامية، والإستراتيجيات الهادفة، فهنا لا توجد أحياناً علاقة مباشرة بالجنس البشري أو اللغة أو الثقافة أو اللون أو الإثنية أو الديانة وغيرها في لعبة المصالح سواء للدولة أو المواطن، ولو طلبت تركيا عضوية في الإتحاد العربي لتم قبولها، وبالتأكيد لن يتم السخرية منها، وحتى لو حصلت فستنتهي مع عامل الزمن، كما أنهم أعضاء في الإتحاد الأوروبي لكرة القدم.
حسناً، هل إسرائيل تعتبر دولة أوروبية أو سكانها أوروبيون؟ بالطبع لا، فهم (أكثرية) يهودية ولكنها بالرغم من كل ذلك أشبه بدولة أوروبية، وموقفها قريب من موقف بريطانيا، بعد أن وقعت إتفاقيات عديدة مع الإتحاد الأوروبي، بل هي عضوة في الإتحاد الأوروبي لكرة القدم مثل تركيا.
فعلى الرغم من رجوع 20% من سكان إسرائيل الحاليين إلى (أصول عربية قحة) وإنحدار ما يقرب من نصف عدد سكانها اليهود من اليهود العرب ومن كون (اللغة العربية) إحدى اللغات الرسمية فيها، فإنها ليست عضو بالجامعة، كما أن تشاد ليست عضو أيضاً رغم أن اللغة العربية تستخدم بشكل رسمي هناكـ، ولكن يمكنها طلب العضوية.
هنا أيضاً علينا أن نقول أن الإنضمام للإتحادات الإقليمية أحياناً لا يرتبط بعامل اللغة أو الثقافة أو الجنس أو الإثنية أو الدين أو حتى بالجغرافيا في بعض الأحيان، فقد نجد بعضاً منها على حساب الآخرين.
ببساطة فقد إزدادت عدد الدول الأعضاء في الجامعة العربية زيادة مستمرة خلال النصف الثاني من القرن العشرين بإنضمام 15 دولة عربية إلى الجامعة (22 دولة حالياً)، ولا يوجد في نظام جامعة الدول العربية ما يعرف بالعضوية بصفة مراقب.
وهو ما نادت به دول مثل إريتريا (بالطبع ليست دولة عربية بمفهوم الجدل البيزنطي السوداني)، إذ يتحدث بروتوكول الإسكندرية الذي يعتبر وثيقة تأسيس لجامعة الدول العريبة عن جامعة تضم في عضويتها الدول العربية المستقلة الراغبة في الإنضمام إليها).
إلا أن ذلك لا يمنع كما يبدو من دعوة دول من خارج الجامعة من حضور مؤتمرات القمة العربية بصفة مراقب كما هو في حالة إريتريا (2003) فنزويلا من قارة أمريكا الجنوبية (2006) والهند من جنوب آسيا (2007).
الأصوات الشاذة التي تنادي بالإكتفاء بعضوية الإتحاد الأفريقي حتى نحفظ مكانتنا مع الأفارقة ونبعد عن سخرية وهمسات بعض العرب أراها أصوات هلامية ومبحوحة، الأفضل للسودان بالتأكيد البقاء بهذا الإتحاد العربي وبالطبع في الإتحاد الأفريقي.
بل لا ضير حتى في أن يطلب السودان عضوية دائمة ومستمرة في (الإتحاد الأوروبي) بالرغم من غرابة هذا المشروع، إلا أنها تظل مشروعة ومشرعة أمامها، فهل هنالك دولة في سطح الأرض ترفض الإنضمام لمثل هذا التكتل القوي؟.
أما عن عضوية الإتحاد الأفريقي فهو إستحقاق لكل الدول التي في قارة أفريقيا، هذا الإتحاد الذي تم الإعلان عن إنشاءه في 25 مايو 1963م بإسم (الوحدة الإفريقية) قبل أن تتحول إلى منظمة الإتحاد الأفريقي في 9 يوليو 2002م، وتتخذ من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مقراً دائماً.
الإتحاد الأفريقي (إختصاراً AU في اللغة الإنجليزية، وUA في اللغات الرسمية الأخرى) هو منظمة دولية تتألف من 54 دولة أفريقية.
أهدافها أيضاً قريبة وشبيهة بكافة الأهداف التي تؤسس من أجلها هذه الإتحادات، بالرغم من أنه إتحاد (كسول) مثل نظيرته جامعة الدول العربية، ولكن لماذا لا نرى أو نسمع تلك الأصوات المبحوحة بأن يسحب السودان عضويتها من هذا الإتحاد؟ّ! لأنها بصراحة (ضرب من الجنون)، وضد مصالح الدولة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق