عمداً وبسبق الإصرار والترصد وفي مناهجنا المتواضعة بالسودان وحتى بمصر الممالك النوبية تم قهرها وطيها وتجاهلها في صفحات الكتب المدرسية على حساب آخرين؟!!!، خاصة هنا في السودان والذي عرف الحضارة والتقدم والتطور والعولمة والتواصل مع الآخرين عبر الممالك النوبية القديمة والمتمثلة في الحضارات الكوشية القديمة وأهمها "مملكة كرمة" فقد كانت مملكة متكاملة، كما كانت عاصمة مملكة كرمة لأكثر من 1000 سنة منذ عام 2400 قبل الميلاد.
تلت حضارة كرمة الكوشية ممالك نوبية عظيمة مثل نبتة ومروي، ثم سوبا والمغرة وعلوة ودنقلا ...إلخ، هذه الحضارات الإنسانية المتغلغلة في أعمق أعماق جذور التاريخ لا نجدها في مناهجنا وفي كتبنا المدرسية بالسودان؟!!!.
المنطقة النوبية في جنوب مصر وحتى أعالي النيل بجنوب السودان عرفت الديانات السماوية الثلاثة وأعتنقتها "اليهودية - المسيحية - الإسلام"، ولكن كل ذلك لا يتم ذكرها بإسهاب في مناهجنا المتواضعة.
وبكل جحود ولأسباب معروفة ومجهولة لدينا بالسودان ومصر تدرس هذه الممالك في صفحات بسيطة وبسطور مبتورة وبكليمات قليلة جداً لا تنم عن شئ سوى عن الجهل بالتاريخ أو هنالك أمر متعمد من أجل مشروع التعريب ووضع الصبغة العربية في دولة ليست ولم ولن تكن عربية بل دولة تعرف نفسها بالسودان فقط حيث تجد به العربي والأفريقي والخليط وغير ذلك.
المعنيون بهذا الأمر في المقام الأول واضعوا المناهج التعليمية خاصة في السودان فمصر عرفت ممالك كبيرة ومتداخلة ومنذ فجر التاريخ، ولكن في السودان لم نعرف في العهد القديم وحتى العهد الإسلامي القريب سوى الممالك النوبية ولا شئ سوى الممالك النوبية.
فكيف نستوعب عملية التجاهل لدراسة هذه الممالك العظيمة مع التركيز في نفس الوقت على ممالك جاءت بعد الممالك النوبية بقرون طويلة؟ ولم تستمر إلا عقود بسيطة ولم تضف الكثير للتاريخ السوداني والإنساني ولم تشمل مناطق كبيرة حتى وهي في أوج قوتها وعظمتها مثل "السلطنة الزرقاء - مملكة سنار"، "مملكة تقلي"، "الثورة المهدية"، "مملكة المسبعات"، "مملكة الجعليين"، "سلطنة دارفور"، "مملكة وداي"، ...إلخ.
هذه الممالك والسلطنات والثورات مع إحترامي وتقديري لها لا تستحق كل هذه الصفحات والكتب والمناهج على حساب الممالك النوبية العظيمة.
في دول أخرى مثل مصر يتم التركيز على الممالك القديمة والحضارات الأولى مثل "حضارة الفراعنة" لأهميتها للبشرية وكنوع من الفخر والإعتزاز بهذه الحضارة العظيمة والإنسانية، وفي العراق يبدعون في تدعيم مناهجهم بمملكة بابل والممالك الآشورية وغيرها من ممالك ما بين النهرين، وفي السودان بإمكاننا فعل ذلك أفضل منهم أو مثلهم وذلك من خلال التركيز أكثر في دراسة الممالك النوبية وسبر أغوارها بدل التركيز على تاريخ شخصياً لا يشرفني كثيراً ولكن يظل تاريخاً شئنا أم أبينا مثل "الثورة المهدية".
شحنوا عقولنا في المراحل الدراسية الأولى بالثورة المهدية وكأنها ثورة إنسانية أو أن المهدي نبي مرسل من السماء، ولم يتركوا لنا في شخصية المهدية وجاءوا بأدق تفاصيل حياته "حتى عرفنا كيف كان يصطاد الأسماك بدون طعم لكي لا يخدع الأسماك"؟!!.
لا أدعو لترك التدريس في التاريخ السوداني المعاصر "العهد التركي المصري" ثم "الثورة المهدية" ثم "العهد البريطاني المصري" ثم "تاريخ السودان بعد الإستقلال"، أو تاريخ السودان في العصور الوسطى التي تلت العصر الإسلامي فهو تاريخ، والتاريخ لا يكذب ولا يتجمل، ولكن ليس على حساب تاريخ عظيم وخالد وإنساني مثل التاريخ النوبي.
أقترح على المسئولين في السودان تخصيص كتاب تاريخ منفصل يحكي عن الممالك النوبية وبإسهاب من الصف الرابع مرحلة الأساس وحتى الصف الثالث الثانوي، أي أن يدرس هذا التاريخ لأكثر من 8 مستوى دراسي وأن لا تقل الصفحات في أي كتاب مدرسي عن 200 صفحة لأهمية هذا التاريخ الإنساني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق