طفلة في الرابعة من عمرها ترحل عن الدنيا الفانية وهي لا تعرف من الدنيا أي شيء تاركة ورائها والدها ووالدتها في حزن عميق ودموع غزيرة، فالمرض المدعو بالسرطان لا يعرف الأعداء أو الأصدقاء، ولا يعرف الكبار أو الصغار، كما أنه حتماً لا يبالي بالغني أو الفقير، ولا يفرق بين المتعلم أو الأمي.
غادر صديقنا قاهرة المعز في نفس اليوم الذي وارى فيه جثمان بنته الصغيرة متجهاً إلى السودان وهو حزين ويفكر في آلام بنته الوحيدة قبل رحيلها من الدنيا وبالأخص عندما كانت مريضة لا حول لها ولا قوة، ونحن كأصدقاءه لم نتركه لوحده وفعلنا كل ما بوسعنا من أجل تخفيف آلامه وفقده الجلل، والأيام كفيلة لتخفف عنه الكرب العظيم.
عند ذهابنا لمستشفى57357 والخاصة بسرطان الأطفال فور تلقينا نبأ وفاة نجلته من شخصه الكريم، صادفنا هنالك شخصان من السودان يقفان بجانبه، ولديهما أيضاً طفلان ينامان في سرير المرض بهذا المبنى والذي أقيم بتبرعات المحسنين ومحبي الخير، كان الحزن على وجهيهما ظاهراً ولا يحتاج لعناء التفكير، ربما فكرا كثيراً بموقف صديقهما المكلوم، وربما ينتظران الأيام فقط، ولكن الأعمار وشفاء الأبدان من الأسقام كلها بيد الله.
المشفى معد بأجهزة متطورة وحديثة، والرعاية الصحية فيها ممتازة، وهي من أكبر وأشهر المستشفيات بأفريقيا والشرق الأوسط، لا نجد مثله في السودان ولا نستطيع أن نجزم متى سنبني مثله في السودان، للأسف وحيث لا ينفع الأسف والندم فمعظم الأطفال بالمستشفى المعني من السودان.
هذا المرض اللعين والقاتل لم يكن منتشراً في السودان في القرن العشرين وخاصة بين الأطفال مما يجعلنا نتساءل عن أسباب إنتشار مرض السرطان بين الأطفال بعد أن أنتشر بين الكبار.
حتى العام 2012م كان عدد المصابين بهذا الداء الفتاك بالسودان قد تجاوز الــــ 20 ألف حالة والعدد في إزدياد مستمر، وأكثر أنواع الإصابة هي سرطان الثدي مما يعني أن الإصابة منتشرة بين النساء بصورة أكبر.
أقطن بوسط البلد في القاهرة هذه الأيام، وألاحظ وجود بعضاً من الأسر سودانية تستأجر الشقق المفروشة وخلافها وخاصة بمنطقة (عابدين والسيدة زينب)، وجاءت هذه الأسر تاركة كل شئ خلفها من أجل العلاج والدواء من مرض السرطان لأطفالهم.
هذه الأسر صبورة جداً على ما أصابتهم من مصيبة، وألاحظ في عيونهم كل معاني الصبر والتمسك برحمة الله والأمل والألم، فهم يدركون كل الأدراك أن الشفاء بيد الله تعالى، وحتى في حالة فقدانهم فلذات أكبادهم لا قدر الله، فهم بذلك يشترون جنات الله، وسيعوضهم الله صبرهم الجميل هذا آجلاً أم عاجلاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق