الخميس، 24 ديسمبر 2020

إثنين من الناس

 قبل ذهابه بقليل إلى المسجد القريب من مسكنه في حيه السكني ليخطب بالناس في صلاة الجمعة، ضرب وزجر زوجته الأولى التي صبرت عليه صبر السنين والدهور وكل ذلك فقط لأنها تأخرت في إعداد وجبة الإفطار التي تحتوي على ما لذ وطاب من الطعام! ولأنها لم تحضر له العطر الغربي الجميل، حيث بلغت من الكبر عتياً ولديها فقدان جزئي في ذاكرتها.

في نفس الوقت جاره الفقير الذي يقطن على يسار منزله الفخم والفاخر بالكاد يجد وجبة واحدة أو إثنتين ليسد رمقه وأحياناً كثيرة يكتفي ببعض الفتات لكي يوفر القليل من ثمن الطعام لشراء دواء السكري والروماتيزم لوالدته التي شارفت على السبعين من عمرها وأنهكها المرض والتعب وقلة الحيلة.

بواساطة جهاز التحكم من وعن بعد (ريموت كنترول)، تمكن الخطيب من فتح باب سيارته الفارهة التي صنعت في إحدى الدول الغربية أو دول الكفر على حسب عقليته المتقدمة والمبهرة، ثم أجرى إتصالاً هاتفياً بجوال حديث يعمل باللمس مصنوع كذلك في إحدى الدول التي تعتنق الكفر على حسب عقليته الفريدة كذلك، كان ذلك ببضع دقائق قبل أن يرتفع سوء المؤذن إلى عنان السماء بالأذان الثاني، إيذاناً ببدء خطبة الجمعة.

خرج ذلك الفقير العفيف إلى الصلاة من منزله بحذاء قديم متهالك جعل نصف باطن رجليه تلامس الأرض الحارة والحارقة، كعادته، قام بإلقاء التحية وبإبتسامته المعهودة للإمام ذو المال والجاه والبنين، ولكن الإمام لم يعره إهتماماً رغم أنه سمعه بوضوح وبنبرة مسموعة وكان ذلك فور إنتهائه من مكالمته الهامة مع رئيس لجنة الحي الذي يقوم بجمع التبرعات من أجل بناء مركز خدمي للحي والذي لم ولا ولن يري النور أبداً، فالمال سيذهب من غير رجعة.

يا للأخلاق! ويا لمن يدعي أنه على خلق! فقد خرج الظابط العظيم في قوات الشرطة من منزله الفخم في الجهة المقابلة للإمام لكي يلحق بالصلاة، ألقى على الفور تحية للإمام والذي حياهـ وبادله التحايا والسلام ودعاهـ بل ألح عليه ليصطحبه في عربته الفارهة التي تحتوي على أحدث أجهزة التكييف.

المسافة بين منزل الإمام والمسجد أقل من كيلومتر، ولكنه لا يحب أن يتمشى مثل جاره العفيف، فكرشه المملوء بالطعام والمحاط بكتلة شحم كبيرة تسببت في كسله مع أنه هو من تسبب في تضخم بطنه وكرشه.

 حتى ظابط الشرطة إضطر ليركب معه لأن عربته والتي بالتأكيد لم تصنع في إحدى الدول التي ستدخل الجنان العليا على حسب عقليتهما هذه المرة في إحدى ورش التصليح الحديثة.

الجار العفيف كان قد قطع نصف الطريق إلى المسجد وهو يتصبب عرقاً وأخمص رجليه إقتربتا من الشوي، مر عليه الإمام الزاهد المجاهد بصحبة ضابط الشرطة وهما معاً في العربة الفارهة، حيث تظاهرا بعدم رؤيته.

 من جميل الأخلاق أن الإمام كان بإستطاعته تفادي بركة المياه التي أمامه ولكنه لم يعر الطريق ومن عليه أدنى إهتمام.

وصل الفقير إلى نفس المسجد والأجزاء السفلية من جلبابه متسخة بفضل أخلاق الإمام الزاهد والمجاهد، بعد أن تم رفع الأذان الثاني، صاد صمت رهيب أرجاء المسجد الكبير الذي بني بأحدث الطراز وكلف بنائه الكثير من المال والجهد والعرق.

القطعة التي عليها المسجد في الأساس كان مخططاً لبناء مستشفى كبيرة نوعاً ما بخمس طوابق، والمساحة المتبقية منها كانت مخصصة لبناء دار للأيتام، وصيدلية كبيرة، ولكن لأن بعض أهل الحي إيمانهم متين وقوي ولا غبار عليهم، فضلوا بناء المسجد بكل هذه الضخامة والفخامة والتكلفة بالرغم من وجود مسجد كبير آخر في الطرف الشرقي للحي بالإضافة إلى عدد لا بأس به من الزوايا!

من على المنبر، أخرج الزاهد التقي ورقة بيضاء من حجم A4 والتي بالتأكيد لم تصنع في بلاد الإيمان، نظر إلى المصلين الذين تجاوزوا الألف مُصلي ببضع، ألقى عليهم تحية السلام، ثم بدأ بتلاوة وقراءة بعض النصوص الدينية والكثير من التراث العقدي إلى أن ذكر الناس بأهمية الجار، والرفق بالقوارير والنساء، وإحترام الطريق، والتواضع إلى الخلق والناس، حيث ذكرهم بلقمان الحكيم وكيف كان يوصي إبنه، ثم ختم خطبته الإولى بأنهم محاربون من قبل أعداء الدين ويقصد أهل الغرب واليهود وغير المسلمين عامة وذلك لأنهم متمسكون جيداً بالعقيدة، ولأنهم الفرقة الناجية والوحيدة، ومفاتيح الجنان والنيران في جيوبهم.

ما بين الخطبتين، جاء رئيس لجنة الحي لكي يقوم بواجب الإيمان والطاعة في يوم الجمعة، لاحظ (الريس) وجود مساحة فارغة بجانب الرجل الفقير والعفيف، لم يجلس بجانبه عن عمد، بل بحث عن مساحة بالكاد تتسع لطفل صغير ولكنها بالنسبة إليه لم تكن كذلك، حيث رآها شاسعة وواسعة وبرحة، فقد جلس بجانب رجل الأعمال الذي قام ببناء المسجد وذلك من خلال أعمال تجارية مشبوهة، فهو الآن رجل البر والإحسان! وفي المقابل توسط الرجل الفقير العفيف، سائق سيارة الأجرة والخباز، أصدقائه منذ أيام الطفولة والشقاوة.

مرة أخرى صعد الإمام ليلقي الخطبة الثانية، كرر نفس الخطبة الأولى، بل نفس خطب الجمعات السابقة وكأنه لا يحفظ غيرها، وزاد عليها بل شدد على التعاون بين الناس في البر والتقوى، وإرسال الإبناء إلى الجهاد، بينما خمسة من أولاده يدرسون في دول الكفر والإلحاد، وشجع الناس على الإكتفاء بزوجة واحدة فقط!.

 هنا خاطب الجار العفيف عقله الباطن وتسائل بأن الإمام تزوج أكثر من خمس نساء لأن في عصمته الآن أربع نساء فقد طلق واحدة لأنها أفلست وباعت نصيبها من التركة لكي تساعد إبنها في دراسة الطب، نفس الإمام لا يعامل زوجاته بنفس القدر من العدالة والإنصاف وعن قصد في أحيان كثيرة، فالكبيرة تفضل الإنتحار على أن تصطبح بوجه البائس، والثانية مثل الأولى، والثالثة لا في العير ولا في النفير، والرابعة حدث ولا حرج!

الوحيدة التي نجت من جبروته وطغيانه والدة الطبيب المنتظر، فالنساء بالنسبة للإمام الزاهد هن مجرد إشباع لرغباته الجنسية وكآلات وماكينات للخلفة ليس إلا، لا عدالة ولا رفق ولا يحزنون.

في نهاية خطبته، أدخل تلك الورقة البيضاء إلى جيبه الواسع في جلبابه الجميل والأنيق والمستورد من إحدى الدول الشيوعية، ثم رفع يديه إلى الأعلى ولمدة عشر دقائق يدعو الله أن يهلك غير المسلمين، تناسى ونسي بأن يدعوهم إلى الهداية أو بأن يباعد الله بين مكرهم ودسائهم من وعن المسلمين.

ثم ختم دعائه "وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، أللهم أهلك حرثهم ونسلهم، جنهم وإنسهم، كبيرهم وصغيرهم، وشتت شملهم، وفرق جمعهم، فنحن ضعفاء في هذه الأيام الغابرة لأننا بعيدون جداً عن الدين!!!"

بعد الخطبة والصلاة مباشرة قرر الرجل العفيف الإنتحار والتخلص من حياته، حتى في هذا لم يفلح! لأن والدته المريضة تحتاجه بشدة وهو بالتأكيد يحتاجها، ولسنين طويلة جداً لم يتغير شيء ولم يتبدل الحال والأحوال، فبعد وفاة والدته، هاجر إلى أحياء ومدن كثيرة جداً وكان التشابه عظيماً بين الفرقة الناجية والفرق الأخرى الغير ناجية، ثم مات بحسرته، ولم يدفنه ويشيعه إلا سائق الأجرة والخباز والحفار.

عدنان عمر (أوسكار)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حرب عبثية في السودان

نعم هنالك حرب عبثية في السودان منذ إبريل 2023 بين ما يسمى بالجيش السوداني وأقصد هنا القادة وهم ينتمون للحركة الإسلامية السودانية أي (الفلول)...