الأربعاء، 23 أغسطس 2017

رحلتي من الخرطوم حتى الإسكندرية

الخرطوم
بــادئ ذي بدء هنالك مثل شائع يقول: (من لم يزر مصر كأنه لم يزر من البلاد شيئاً) وفي مصر هنالك مثل آخر يقول: (من لم يزر الإسكندرية كأنه لم يزر مصر أبداً).
 في يوم الثلاثاء الموافق: 13 يوليو من العام 2010م وفي شارع الجمهورية الحيوي والمشهور بإتجاهه الواحد (من الغرب إلى الشرق) بالعاصمة السودانية الخرطوم، تم منحي تأشيرة دخول لأراضي جمهورية مصر العربية مدتها 6 أشهـــر متعددة السفريات من قبل القنصلية المصرية.
حينها كانت سعادتي كبيرة ولا توصف بهذه التأشيرة التي أعتبرها غالية جداً على نفسي بالرغم من أنها بدون رسوم ولا تأخذ منك سوى 3 أيام تقريباً، ويمكنك أخذها في نفس اليوم ولكن عليك أن تدفع مقابل ذلك.
 ســـر سعادتي كان بسبب مفارقتي السودان لأول مرة في حياتي، فأنا أحاول السفر والخروج من السودان منذ تسعينيات القرن الماضي بدءاً ببرنامج اللوتري وتحديداً منذ العام 1999م ولم أترك أي شئ للصدفة لكي أسافر خارج السودان، وحاولت لدول عدة أذكر منها خلاف الولايات المتحدة الأمريكية (أرض الأحلام وبلاد العم سام) والهند وسوريا وأوكرانيا وروسيا وتركيا وكندا وفرنسا وأستراليا عن طريق تقديم اللوتري أو التقديم للجامعات أو عن طريق المنظمات ولكن لو كان الحظ رجلاً لأعدمته.
 وبعد ذلك ظهرت وبصورة شائعة تأشيرات (الشنقن) لدول الإتحاد الأوروبي من بعض السفارات في الخرطوم خاصة (اليونانية والفرنسية والإسبانية والهولندية) وكنت من أوائل المدركين لهذا الأمر ومنذ أن كانت هذه التأشيرات في حدود الــ 3 ملايين جنيهاً سودانياً بالقديم.
 كان هذا في بدايات العام 2005م على ما أذكر، وقد حاولت كثيراً ولكن كالعادة قد خانني الحظ كثيراً، ربما لشيء أفضل مستقبلاً، من يدري؟! وما زلت أحاول وسوف أحاول إلى أن يقض الله أمراً كان مفعولاً، وفيما بعد دخلت سفارات أوروبية عدة كسفارات اليونان وإسبانيا والنمسا وإيطاليا ...إلخ.
 وسوف أحاول مجدداً كما قلت من قبل لأنني أضع أهداف معينة ولا أحسب حساب أي شئ آخر فالدول التي أريد السفر إليها 4 دول على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ثم بريطانيا العظمى ثم كندا ثم أستراليا بسبب المستوى المعيشي العالي في هذه الدول ولعامل اللغة الإنجليزية، وبسبب جوازات السفر المحترمة لهذه الدول وكذلك بسبب التعليم العالي ولقوة هذه الدول في كل المجالات ولوفرة فرص العمل، ولأن الإنسان لا يشعر بإنسانيته إلا في هذه الدول بالإضافة طبعاً لبقية الدول الغربية ومن تبع طريقهم من دول العالم الأول، أما الدول العربية وبقية دول العالم الثالث فلا ولن أعتقد ذلك، حتى لو كانت مجرد معابر وجسور لتلك الدول الكبرى.
نعود إلى ما بدأناه لكي لا يتسلل الملل من الباب الأمامي لنا، فمن أسباب زيارتي لمصر أن أجد طريقة ما للسفر منها لدول العالم الأول بعد أن حاولت بالسودان كثيراً، وأيضاً لكي أزور هذه الدولة التاريخية التي تشعرك بأنك قد عشت في كل العصور وفي كل الدهور منذ فجر التاريخ وحتى الآن في العصور الحديثة، وللتشابه الملحوظ بين شعوب وادي النيل في معظم العادات والتقاليد والأعراف، وقد أعتبرتها جولة سياحية ومغامرة حياتية جديدة كذلك.
 مصر دولة عظيمة وفي كل شئ، في شوارعها وفي مقاهيها وفي إنسانها وفي مزارعها وفي جبالها وفي مدنها وفي أريافها وفي نيلها وفي صحاريها وفي وديانها وفي بحارها وفي حاراتها وفي كل شئ، بإختصار لم يكذب الفيلسوف والمؤرخ اليوناني (هيرودوت) عندما قال عن مصر قولته الشهيرة: "مصر هبة النيل".
 هي أرض الأهرامات ومدينة الأقصر والنوبة والواحات والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر ونهر النيل وشبه جزير سيناء، والمدن والمنتجعات السياحية، ودلتا النيل، وقناة السويس، والأزهر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ...إلخ، وقد زارها وعاش فيها وبها معظم الأنبياء ورجال الدين كما يسمون، ومعظم العظماء والعلماء والمشاهير ورجال التاريخ والملوك والأمراء والغزاة وفي كل العصور ولأكثر من 7000 عام.
بعد منحي تأشيرة الدخول لمصر قررت أن أسافر بالطريق البري الدولي حتى مدينة وادي حلفا (طريق شريان الشمال) لكي ألقي نظرة ولو من على البعد على القرى النوبية التي تقع شرق نهر النيل العظيم، ولكي أزور مدينة وادي حلفا الجميلة والتاريخية في أقصى شمال السودان، ولكي أحس بمتعة السفر عن طريق بحيرة النوبة (بحيرة ناصر)، فأقصى قرية كنت قد قمت بزيارتها شمالاً في منطقة المحس هي قرية كجبار (رمز الصمود النوبي) وكانت في تسعينيات القرن الماضي.
 قمت بإكمال معظم إجراءات السفر العادية في الخرطوم والتي أقطن بها منذ العام 1993م بعد رحلينا من مدينة كرمة في شمال السودان، حيث لم أبارح العاصمة كثيراً إلا في أعوام محدودة وفترات محدودة مثل دراستي المرحلة الثانوية سابقاً في مدينة دنقلا (مدرسة دنقلا النموذجية الثانوية).
 الإجراءات التي تسبق تأشيرة الدخول إلى مصر مملة جداً ولا معنى لها على الإطلاق مثل (كرت الحمى الصفراء، تأشيرة خروج، بطاقة إنهاء الخدمة الوطنية، ...إلخ)، بعد ذلك حجزت تذكرة سفر إلى وادي حلفا وأذكر أنني قد سافرت عن طريق سفريات وبصات (أبو خليل) الشهيرة جداً.
 تحركنا من منطقة السجانة بالخرطوم قبيل آذان الصبح بقليل وتوجهنا نحو مدينة الخرطوم بحري ومن ثم إتخذنا طريق شريان الشمال عبر مدينة أم درمان، وفي الطريق من أم درمان حتى وادي حلفا مررنا بعدة مدن وقرى ومناطق بطريق شريان الشمال وبدون ترتيب معين (سوق ليبيا - القولدير - أبو ضلوع – مدينة الشريان – أم الحسن – التمتام – الملتقى - الدبة – دنقلا – السليم – فريق - كدرمة – دلقو – سعدنفنتي – أبوصارة – عبري – وادي حلفا).
وادي حلفا
 وصل البص السفري بنا إلى مدينة وادي حلفا عند الساعة الرابعة مساءاً على ما أذكر وفي السوق الشعبي تحديداً بمدينة وادي حلفا، وهنالك ألتقيت بأحد معارفي من قرية (سعدنفنتي) بالمحس كنت قد نسقت معه مسبقاً عن طريق إبنه القاطن بقربنا في الخرطوم لكي أقيم معه بوادي حلفا لبعض الوقت.
مكثت بمنزله العامر بــ(بلوك 1) أي (مربع واحد) لمدة 3 أو 4 أيام إن لم تخني الذاكرة وله مني كل التحايا والتقدير والثناء على كرمه الحاتمي وصدره الرحب مع شخصي الضعيف، الكلمات وحدها لن تنصفك أبداً.
خلال إقامتي الرائعة معه قمنا ببعض الإجراءات الروتينية التي تسبق السفر إلى مصر بمساعدة إبنه الآخر قبل الإبحار عن طريق ميناء المسمى بميناء الشهيد الزبير محمد صالح بوادي حلفا، وفي اليوم المقرر للسفر أُبلغنا بأن نحضر إلى مباني الميناء قبل مواعيد الرحلة بــ 4 ساعات أو أكثر، وذلك لعمل وإجراء بعض الإجراءات الروتينية قبل تحرك العبارة نحو أسوان.
 ذهبت مبكراً عن طريق عربة (الركشة) حتى لا أضع نفسي في مواقف حرجة وضيقة، ذُهلت عندما رأيت ذلك المبنى ولم أميزه جيداً هل هو مبنى لميناء نهري حيوي أم عنبر للسجناء!؟، وما يغيظك أكثر السلحفائية التامة في الإجراءات وفي تقديم النصائح والخدمات للمسافرين، كأنهم مسخرون ومجبرون لذلك العمل، بمعنى أنهم لا يأخذون رواتبهم عليه!.
وفوق كل هذا وذاك تدفع أموالاً كثيرة وطائلة لا معنى لها على الإطلاق، ولكن تفهمت كل ذلك فالفساد والرشاوى تنخر البلاد والعباد وبشدة، ولكني صبرت على كل ذلك ودفعت فالموضوع حتمي ولا بد من ذلك، فهمي الأول والأخير هو مغادرة ذلك الميناء البائس والفقير والمتهالك جداً والوصول لتلك العبارة التي تنتظرنا في المرسى المخصص لها ببحيرة النوبة.
 بعد إكتمال كافة إجراءات السفر المملة أمرنا المسئولين بأن نذهب لركوب (حافلة) ما وهي قديمة وبائدة وتسير بدعاء الوالدين وأعتقد أن عمرها أكثر من 30 عاماً، وهي وسيلة المواصلات الرسمية ومهمتها إيصال المسافرين من مبنى الإجراءات حتى المرسى المحدد للعبارة (الباخرة) وبالعكس، ركبنا تلك العربة المتهالكة على مضض ووصلنا المرسى، وبعد ذلك سمحوا بالولوج داخل العبارة وإسمها (ساق النعام) وعمرها أكثر من 50 عاماً وكنت هنالك منذ الساعة الثانية عشر ظهراً.
 قال لي أحد المسافرين معي وهو رجل طاعن بالسن بأن هذه العبارة عمرها أكبر من عمر السدّ العالي!، على أي حال لم يحتاج ذلك الأمر إلى شرح مطول من ذلك الرجل الهرم.
 لاحظت وجود بعض المراكب متوسطة الحجم بالقرب من مرسى وادي حلفا وهي كلها تجارية وتستخدم في نقل البضائع ما بين مصر والسودان وتسمى عند أهل البحر ومن يقربونه بــ (السنابك)، جمع (سنبك).
 كالعادة إنتظرنا داخل العبارة كثيراً فهي لا تتحرك إلا عند الساعة الخامسة مساءاً وتسير ببطء شديد عبر بحيرة النوبة الإصطناعية والتي تقع خلف السد العالي (الجنوب منه)، ولكنها تحركت في الموعد تماماً كم قالوا لنا، ولأول مرة أشعر وأستشعر بقيمة الوقت.
بحيرة النوبة (بحيرة ناصر)
تحركت العبارة من ميناء وادي حلفا في يوم الأربعاء الموافق: 21 يوليو من العام 2010م عند الساعة الخامسة مساءاً وببطء مبالغ فيه، وداخل العبارة حدث ولا حرج، سودانيون من جميع الجنسيات والقبائل من حلفا إلى نمولي (قبل إنفصال دولة جنوب السودان لاحقاً) ومن سواكن حتى زالنجي، منهم من يسافر للمرة الأولى مثلي تماماً ومنهم التجار ومنهم السياح ومنهم الطلاب ومنهم من لديه أقارب ويريد زيارتهم، ومنهم من يريد قضاء شهر العسل، ومنهم من يريد السفر عن طريق مصر إلى دول أخرى حول العالم وما إلى ذلك.
كما كانت هناك أعداد كبيرة من المصريين ومعظمهم عمال عائدون من السودان لزيارة ذويهم وأقاربهم في مدن مصر المختلفة، كما تواجدت جنسيات مختلفة من داخل قارة أفريقيا كالتشاديين والنيجيريين وبعض سكان ليبيا وبعض الأفراد من دولتي إثيوبيا وإريتريا والصومال ...إلخ.
 العبارة كانت مزدحمة بالناس وبالحقائب السفرية وبالبضائع وبالفواكه والخضر وبمواد البناء وبالبضائع السودانية وما إلى ذلك، وحجزت مسبقاً في الدرجة العادية فالعبارة بها درجات أشهرها السياحية وكان ثمن التذكرة (ذهاب وعودة 190 جنيهاً سودانياً تقريباً).
 بعد فترة من الزمن تناولنا وجبة الغداء بالتذاكر التي نحملها فهي مدفوعة القيمة من ثمن التذكرة النيلية وهي لوجبة واحدة فقط، وعليك أن تسرع في أخذ نصيبك لأن التأخير يعني ضياع وجبتك المقررة فوراً، كان ينشط بعض تجار العملة داخل العبارة حيث يقومون بتحويل العملة السودانية أو العملات الصعبة إلى المصرية، عملة الجنيه السوداني كانت بـ 3 جنيهات مصرية أول أقل بقليل.
كانت العبارة تسير ببطء شديد فيما بين العلامات الموضوعة والمتناثرة بكل دقة وعناية داخل البحيرة وتسمى هذه العلامات (الشمندورة)، وقد تغنى بها الفنان المصري النوبي الكبير محمد منير أو (الملك) كما يسمونه المصريين وهو فنانهم الأول بدون منازع.
توضع هذه العلامات المرئية داخل البحيرة الضيقة وهي بمثابة الطريق الآمن للعبارة لأن إنحرافها أو خروجها من المسار المحدد بالشمندورات الآنفة الذكر تعني إصطدامها بإحدى الجبال المغمورة داخل البحيرة، وقد حدثت حادثة مروعة من قبل وأدت إلى وفاة الكثير من المسافرين منذ سنوات طويلة، ولكن الحكومتان المصرية والسودانية إتفقتا على وضع تلك العلامات لسلامة العبارة والمسافرين وهو إتفاق منطقي ومقبول.
بعد فترة من الزمن أوقفت العبارة من قبل رجال حرس الحدود المصرية عند الحدود المصرية السودانية داخل البحيرة نفسها فقد إقتربنا كثيراً من الحدود المصرية وهنا لا بد من بعض الإجراء الهامة، فهؤلاء العسكر مهمتهم الأساسية هي تفتيش العبارة والقبض على بعض (المسجلين خطر) والهاربين من مصر في فترات سابقة ويدققون في جوازات سفرهم ومن يثبت أنه قد هرب من إحدى السوابق يقبض عليه فوراً، وفي نفس الوقت يقومون بمنح الأجانب الداخلين إلى مصر ختم الدخول بتاريخ الغد لأن العبارة ستدخل ميناء أسوان في صبيحة الغد على حسب ما هو مخطط.
بعد مرور أكثر من ساعتان بدأ الظلام يلوح في الأفق وصعدنا على متن العبارة (السطح) قبل المغيب بقليل لتأدية صلاة المغرب في جماعة وللتمتع بمنظر البحيرة الرهيب ويا له من منظر مهيب وبديع، الجبال تحيط بالبحيرة من الشرق والغرب والأمواج تتلاطم مع بعضها البعض، ومناظر الطيور المغادرة إلى أوكارها وأعشاشها تأسرك، ومنظر الصيادين والمراكب الشراعية وكذلك منظر الشمندورات نفسها في منتهى الروعة والجمال، كل تلك المناظر تحتاج لشاعر صعلوك يجيد الوصف والتعبير والبلاغة.
 بعد أن أدينا صلاة المغرب على متن العبارة جلسنا نتسامر سوياً مع بعضنا البعض فقد تعرفت على بعض الأصدقاء، وكان أكثرهم من منطقة المحس والسكوت وحلفا بشمال السودان، وأيضاً بعض المدن السودانية الأخرى، وبعض المصريين الظرفاء والبسطاء.
بعد أن داهمنا الظلام كنا نشاهد القرى النوبية المصرية المتناثرة على ضفاف البحيرة، فالبحيرة هي عبارة عن تجمع مائي إصطناعي بالطول وليس بالعرض وهذا يعني أنك تشاهد الضفتان (الشرقية والغربية) جيداً، بل هنالك بعض المناطق تكاد تكون أضيق بصورة تشعرك بأن العبارة لن تمر بسلام، ولكنها دائماً كانت تمر بسلام وأمان.
 هنالك بعض الأماكن تسمى بالجروف ومن أشهر هذه الجروف (جرف حسين) في مصر، وبعد فترة من الزمن رأينا منظراً مهيباً وعظيماً في الضفة الغربية للبحيرة، لأول مرة لم أسأل أصدقائي من ذلك الأثر التاريخي والمعلم الخالد والبارز والشامخ فقد رأيته كثيراً في مختلف وسائل الإعلام وكنت أتمنى زيارته يوماً ما، بل كنت أتمنى مجرد رؤيته ولو من على البعد، وهو أثر تاريخي عظيم يحكي عظمة وجبروت الإنسان النوبي النبيل، وقلت لهم أن ذاك المبنى الأثري المهيب ما هو إلا معبد (أبو سمبل)، وصدقت في ذلك، وبدأت أشرح لهم تاريخ هذا المبنى فقد قرأت عنه الكثير والمثير والعجيب، وتعجبوا كثيراً من شرحي وإقترح علي أحدهم مازحاً أن أعمل كمرشد سياحي في المستقبل.
هذا المبنى التاريخي قبل بناء السدّ العالي كان قابعاً في الضفة الشرقية لنهر النيل ولكن قرر العلماء والمؤرخون وكل من يهمه الأمر أن ينقلوا هذا الأثر التاريخي إلى الضفة الغربية، لأن مكانه القديم أصبح مغموراً بالمياه ولا يوجد مكان صالح في الضفة الشرقية للبحيرة لكي يقام فيه هذا المعبد التاريخي العظيم وتقرر نقله إلى مكانه الحالي.
إنه مبنى ومعبد ومزار ورمز ومكان تاريخي يشعرك بالفخر، وأهل مصر بارعون في الترويج الإعلامي لمزاراتهم السياحية لجذب أكبر عدد من السياح، فالسياحة في مصر مصدر دخل أساسي للحكومة ولمعظم المصريين، كم كنت محظوظاً وأنا أقرر السفر عن طريق البر، وأدعو الجميع للسفر عن طريقه خاصة إذا ما كانوا يسافرون للمرة الأولى إلى مصر من السودان، حقاً إنها متعة السفر وروح المغامرة.
في يوم الخميس الموافق: 22 يوليو 2010م وعند الساعة الحادية عشر صباحاً إقتربنا كثيراً من ميناء أسوان النهري ولكن قبل الرسو في ميناء أسوان مررنا بالقرب من السدّ العالي، ذلك الإنجاز الضخم الذي شيده الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في ستينيات القرن العشرين لأسباب عدة لا يسع المجال لذكرها هنا.
أخيراً، عند الساعة الثانية عشر ظهراً في نفس اليوم رست العبارة بميناء أسوان، وهذا الميناء يبعد عن مدينة أسوان عدة كيلومترات بسيطة جداً في الطرف الجنوبي، شاهدنا عند ميناء أسوان بعض العبارات (البواخر) السياحية الضخمة ذات الطوابق المتعددة، وعند سؤالنا لأهل المعرفة ردوا بأن هذه العبارات السياحية ملك لشركات خاصة وقد جلبت خصيصاً للسياح الأجانب فهم يقومون بتأجيرها ويأتون على شكل مجموعات ضخمة ويبحرون بها حتى معبد أبو سمبل التاريخي جنوب مدينة أسوان.
مدينة أسوان الجميلة
غادرنا تلك العبارة بعد إبحارنا بساعات طويلة ولكن مغادرة العبارة ليست سهلة بل هي للأسف الشديد عشوائية ومحزنة ومخجلة، فالتدافع نحو الباب شئ لا يصدق مثل منظر الهاربين من إحدى الأسواق المكتظة والمغلقة والتي إشتعلت فيه النيران فجأة وبدون سابق إنذار، (من خلى عادته قلت سعادته)، الكل كان يدفع بالآخر لا شعورياً وكأن العبارة ستغرق بعد قليل ولا فرق بين الرجال والنساء والصغار والكبار في ذلك المنظر التعيس، والمخجل!.
دخلنا ميناء أسوان للبدء في إجراءات الدخول والتفتيش ولكن للأمانة شتان ما بين ميناء وادي حلفا في السودان ونظيره بأسوان في مصر، الميناء المصري مبناه كبير ومجهز بأجهزة حديثة.
لم نقف كثيراً في تلك المباني الكبيرة وغادرناها إلى المحطة القريبة من الميناء، تلك المحطة التي تمتلئ بالناس وبعربات الأجرة وبالعربات الصغيرة (الميكروباص) وبالعربات الكبيرة (الأوتوبيس) أو الحافلات، وبقاطرات صغيرة تسير بالركاب حتى محطة أسوان الكبرى للقطارات داخل المدينة.
من حسن حظي كان لدي صديق نوبي مصري في أسوان أعرفه منذ سنوات طويلة جداً ولديه أهل في السودان وتحديداً في حي العشرة بالخرطوم إسمه الحركي (ياسر باجيو) وإسمه الحقيقي أحمد عبد العزيز (له الرحمة والمغفرة)، أعطاني عنوانه ورقم جواله من قبل بالسودان لكي أستطيع أن أصله عندما أسافر إلى مصر يوماً ما خاصة مدينة أسوان.
 إستأجرت إحدى عربات الأجرة (تاكسي) مع أحد الأصدقاء والذي تعرفت عليه في العبارة وهو من أبناء وادي حلفا ولديه أقارب كُثر في النوبة المصرية، قلت له بأن صديقي (الراحل فيما بعد) يسكن في المدينة وفي حي (الحصايا) تحديداً، رد علي بأنه يعرف ذلك الحي ولكنه لم يعرف العنوان الذي أقصده وأستقصه بالضبط لأنه يسكن في مدينة أبو سمبل، لكنه قال لي بأن أسأل السكان داخل الحي وعندها حتماً ستجد عنوان صديقك وأقتنعت بكلامه وركبت معه سيارة الأجرة والتي ستقلنا فيما بعد حتى وسط مدينة أسوان.
تجولت بنظري وبعقلي وبتفكيري يميناً ويساراً فأنا للمرة الأولى أطأ أرض مصر عن طريق البر، بل أول مرة أغادر السودان في حياتي، تيقنت بأن هذه الدولة كبيرة من خلال المباني العريقة ومن خلال المساجد والكنائس والمنازل والشركات والمؤسسات والمشافي والأسواق والمدارس المتناثرة هنا وهناك وكل ذلك وأنا ما زلت داخل تلك العربة وفي ضواحي مدينة أسوان الجنوبية فقط!. 
مررنا بالقرب من خزان أسوان ونحن نتجه شمالاً قاصدين قلب مدينة أسوان، وهو خزان آخر غير السدَ العالي فهذا الخزان بني لتخزين المياه وللتحكم في مياه النهر الخالد قبل أكثر من 100 عام (حيث بني في العام 1906م)، وهو يقع شمال السدّ العالي بمسافة قصيرة جداً، وحينها كنا قد إقتربنا جداً من قلب مدينة أسوان.
 أنزلني صديقي داخل حي (الحصايا) وعنوان صديقي الذي أريد الذهاب إليه بمعيتي، كالعادة بدأت أسأل الناس عن هذا العنوان إلى أن قادني الحظ إلى إثنين من أقاربه ودلوني عليه وعلى منزل أسرته فقد كنت قريباً جداً من منزله عندما سألتهم عنه، فعدد أرقام الهاتف الجوال لصديقي المدون عندي كان ينقصه رقماً ما لسوء الحظ.
المهم ذهبت لمنزل صديقي فهو يقيم مع أسرته الكريمة وأنا أعرفهم كلهم وكم كانت سعادتي وسعادتهم كبيرة بوصولي، فأهل أسوان مثل أهل السودان تماماً في التقاليد والأعراف والإجتماعيات، بل لا يشعر السوداني بأنه قد غادر بلده ولو لبرهة من الزمن.
رحبوا بي كثيراً فهم متلهفون لسماع أخبار السودان ولأخبار ذويهم كثيراً وطمأنتهم على أخبار السودان عامة وذويهم خاصة، إتصلوا على الفور بصديقي ياسر ليخبروه بمجيئي وجاء صديقي (ياسر باجيو) مسرعاً وأستغربت جداً منه لأن إسمه الحقيقي هو (أحمد عبد العزيز) ولكن الناس ينادونه بــ (ياسر باجيو) ومنذ زمن بعيد!.
 بعد أن أخذت قسطاً من الراحة قلت لصديقي بأنني أريد شراء تذكرة قطار حتى القاهرة بعد يوم أو يومان، وقلت له بأنني قد نفذت وعدي له بزيارته في أسوان عندما دعاني من قبل وهو بالسودان، وكان سعيداً بتواجدي معه وعلى طريقة أهل أسوان والنوبة الكرماء.
وكعادة النوبيين دائماً وأبداً أبى إلا وأن أمكث معه قرابة الأسبوع، وقال لي بأنه أيضاً ذاهب للقاهرة بعد أسبوع أو أقل ولديه بعض الأعمال ويريد إتمامها، كما يرغب بزيارة عمه المريض في القاهرة.
 صراحة وجدتها فرصة عظيمة ولا تعوض بثمن لكي أبقى قليلاً في أسوان ولكي أزور معالم المدينة الجميلة والساحرة والتاريخية، وفي نفس الوقت فرحت بأنه سيذهب معي للقاهرة فالرفقة خاصة في السفر أمر جميل ومطلوب ومستحب ويبعت الطمأنينة والراحة النفسية.
في صبيحة اليوم التالي قررت أن أزور أشهر معالم المدينة مع صديقي ياسر لأنه مولود ونشأ في هذه المدينة العريقة ويحفظها عن ظهر قلب وكثيراً من الناس يعرفونه، ومنزل أسرة صديقي ياسر أو أحمد يعتبر منزلاً على الطراز النوبي العريق ومعظم منازل حي (الحصايا) بل أغلب منازل مدينة أسوان تتشابه كثيراً وأغلبية السكان نوبة (كنوز وفاديجا) فالكنوز لديهم لغة نوبية طبق الأصل من اللغة الخاصة بالدناقلة والمعروفة بــ(الأوشكر)، والفاديجا لغتهم تتشابه مع لغة أهل المحس والسكوت وحلفا.
كان منزلهم في منطقة عالية ومرتفعة ومكتظة بالسكان وبالقرب من كورنيش أسوان ومحطتها الخاصة والكبيرة بالقطارات، وما لفت إنتباهي هو التواجد النوبي الكبير في المدينة وكذلك كثرة أهل السودان والصعايدة والفلاحين فهي عبارة عن مصر مصغرة، أحيائها وحاراتها تخبرك بأنها مدينة عركها التاريخ وعركت التاريخ وشربت وإرتوت منه كثيراً، وشوارعها كلها مسفلتة حتى الأحياء الداخلية رائعة.
توجد بهذه المدينة الساحرة صرف صحي متكامل بينما لا نجد كل هذه البنيات التحتية حتى في العاصمة السودانية الخرطوم، إلا ما ندر!، وبها كل مقومات الحياة العادية كتلك التي نجدها في كل المدن الحديثة، والمدينة منظمة والعمارات والبنايات تنتشر هنا وهناك وكذلك.
تسمى الأسواق الصغيرة بــ (الشوادر) جمع (شادر)، أتذكر جيداً عندما قال لي صديقي بأننا سوف نبدأ زيارتنا للمدينة من الشادر الذي بقربنا حينها تذكرت فيلم الممثل الراحل أحمد ذكي (شادر السمك) ولم أسأله عن معنى شادر فقد فهمت ما يعنيه وقد كان.
 الشادر هناك منظم وكذلك البقالات والمحال التجارية والأسعار زهيدة جداً والكل يستطيع أن يقوم بشراء وبيع ما يريده من خضر وفواكه وخبز ومواد غذائية ولكنهم يعانون قليلاً في شراء اللحوم، أذكر بأن سعر كيلو الطماطم كان لا يتجاوز الــ 3 جنيهات وفي نفس الوقت كان كيلو الطماطم بالخرطوم قد فاق الــ 25 جنيهاً مع العلم بأن الجنيه السوداني في ذلك الوقت كانت تعادل أكثر من 2 (جنيه مصري) وعليكم حسبة الفارق!.
قصدنا محطة القطارات والتي تقع بالقرب من كورنيش النيل لكي نؤمن التذاكر إلى القاهرة ولكن موظف التذاكر والقابع أمام الحاسب الآلي (الكمبيوتر) قال لنا بأن التذاكر تحجز لمدة يوم أو يومان أو في نفس اليوم ولكنه لا يستطيع أن يؤمن لنا التذاكر حتى الأسبوع القادم، فالحاسوب غير مبرمج لأكثر من يومان وتفهمنا الأمر وقلنا له بأننا سنأتي إليه بعد 5 أيام.
ذهبنا بعد ذلك إلى كورنيش أسوان الجميل وكم كان رائعاً ذاك الكورنيش الكبير، شارع عريض وطويل جداً تحيط به الأشجار الطويلة والمحال التجارية والشركات والبنوك والمؤسسات والبازارات والمطاعم والمقاهي، وفي طرفه الشرقي نجد شاطئ النيل حيث ترسو المراكب السياحية الفخمة والتي تبحر بالسياح من أسوان وتتجه شمالاً حتى مدينة الأقصر التاريخية بل تبحر بهم حتى القاهرة الكبرى.
كما لاحظت وجود الأجانب وبكثافة وكأنك في مدينة أوروبية عريقة، كما لاحظت في منتصف النهر العظيم جزيرة خضراء جميلة ملفتة للأنظار بها مباني عملاقة وفنادق حديثة ومزارات سياحية وعندما سألت صديقي عن تلك الجزيرة قالي لي بأنها (جزيرة أسوان)، وفي حياتي لم أشاهد مثل تلك الجزيرة خضرة وجمالاً ورونقاً، كما رأيت أيضاً في الطرف الغربي للنهر العظيم معابد نوبية قديمة تحكي تاريخ النوبة وعظمتهم عبر القرون البائدة وحتى الآن.
مدينة أسوان لا تنام مثلها مثل بقية المدن المصرية الكبرى، حيث الحركة الدائمة والنشطة طوال اليوم حيث تجد هناك البقالات والمحلات التجارية المتناثرة والمقاهي والمطاعم والجوامع ودور العبادة والأسواق والشركات والمؤسسات والشركات والبنوك ومحطات الوقود والمزارات السياحية والبازارات ومحطة القطار والعربات ، حقاً إستمعت كثيراً بمدينة أسوان الساحرة في تلك الليلة الجميلة.
 في الأيام التالية لم نترك معلماً أو مكاناً إلا وقمنا بزيارته أو المرور بالقرب منه مثل المتحف النوبي ومعبد فيلة وجزيرة الفنتين ومقبرة آغا خان، وزرنا كذلك أشهر شوارعها وهو شارع (عباس محمود العقاد) ذلك الأديب والشاعر والصحفي الروائي المصري العظيم والمولود في مدينة أسوان، كما مررنا بالقرب من إستاد أسوان، وهنالك بعض الجمعيات الفنية وبعض التجمعات النوبية.
الأحياء الأسوانية عريقة جداً وبعض الأحياء تسمى بأسماء قبائل سودانية أو قبائل سودانية مصرية مشتركة كالبشارية، وفي إحدى ليالي أسوان وبينما كنا عائدين من إحدى بيوتات العزاء لصديقي ياسر سمعت بعض الأغاني السودانية بإحدى صيوانات الفرح حيث ذكر لي بأن أهل أسوان يتغنون بالأغاني السودانية أكثر من الأغاني المصرية، وأضاف أيضاً بأن في أسوان قنصلية سودانية وبعض الجمعيات السودانية وهنالك روابط فنية متعددة لا حصر لها وأن أهل أسوان والنوبة يعرفون كل فناني السودان عن ظهر قلب ويحبون السودان والسودانيين كثيراً، أنا شخصياً لاحظت هذا الأمر وعن قرب، كما لاحظت بعض القرى النوبية المتاخمة لأسوان وهي قرى ظلت محافظة على عادات وتقاليد النوبة كما هي ومنذ القدم.
المساجد ودور العبادة مليئة دائماً، المساجد المصرية دائماً تجذبك قبل الدخول إليها حيث تجد كل شئ داخل مبنى المسجد الداخلي عكس المساجد السودانية، والطراز المعماري المعمول به يشعرك بعظمة وقدم وقيمة هذا المسجد أو ذاك، كل أئمة المساجد في مصر على ما أعتقد درسوا في جامعة الأزهر ويلبسون بتلك القبعات الخاصة بخريجي جامعة الأزهر.
 في أسوان تجد وتلاحظ في آنٍ واحد تواجد أعداد ليست بالقليلة من الأقباط المسيحيين (الأرثوذوكس)، وتعامل معظم أهل أسوان مع جميع الناس تعامل راقي وحضاري وهم أهل بهجة وكرم كعادة أهل الريف بمصر.
بالعودة لمحطة القطارات في أسوان نجد أن دولة مصر مشهورة بالقطارات ومحطة أسوان للقطارات محطة كبيرة جداً وحركة القطارات لا تتوقف من وإلى أسوان فهي آخر المحطات لمصر في الجزء الجنوبي وأولى المحطات من الجنوب للشمال، بسبب أن محافظة أسوان هي آخر المحافظات المصرية في حدودها الجنوبية مع السودان كما تعتبر أسوان هي المحافظة الأولى كذلك من الجزء الجنوبي لمصر المحروسة.
هناك عدة أنواع للقطارات مثل (القطار الفرنسي، القطار الإسباني، القشاش، ...إلخ)، وأشهرها تقريباً القطار الإسباني، وحركة الحجوزات لا تتوقف أبداً، فهناك من يريد السفر إلى المحافظات الأخرى سواء القريبة أو البعيدة وبدون ترتيب مثل (قنا – سوهاج – أسيوط – المنيا – سمالوط - بني سويف – بني مزار – الأقصر – القاهرة الكبرى ومنها إلى السويس – بور سعيد – الإسماعيلية – رشيد – دمياط – طنطا – المحلة الكبرى – الإسكندرية – مرسى مطروح ...إلخ).
 عندما تتواجد هناك لا تشعر بالوقت وهو يمر أبداً، صراحة تأسفت لحال السودان ولحال القطارات به، فالسودان دولة عريقة في هذا المجال فمنذ العام 1899م تقريباً (الإستعمار البريطاني) والقطارات تعمل هنا ولكننا ربما لم نزد ولو قطاراً واحداً، وهو جانب مهم جداً وحيوي لإقتصاد البلاد فالسفر بالقطار أسهل وأسرع وأمتع وأأمن من كل شئ ولكن (لا حياة لمن تنادي)، فمصر تستفيد إستفادة كبرى وعظيمة من حركة القطارات داخل محطاتها الكبيرة والعظيمة وكذلك محطاتها المتوسطة والصغيرة، وقد شاهدت كل ذلك بأم عيني وهي وسيلة عظيمة ولا تقدر بثمن.
مكثت قرابة الأسبوع بمدينة أسوان الجميلة وهي مدينة رائعة الجمال، وعدد سكانها كُثر أكثر من 220 ألف نسمة، ولكن فرحتي لم تكتمل لأنني لم أحمل معي آلة تصوير (كاميرا) في ذلك الوقت، ولكني أحتفظت بكل تلك اللحظات والذكريات الجميلة والسحرية داخل عقلي وقلبي ولن أنساها إلى الأبد.
 بعد أيام قليلة تحصل صديقي الراحل ياسر (أحمد) على تذكرتين ولكن فرحتنا لم تكتمل هذه المرة أيضاً لأن التذكرتان حتى مدينة أسيوط وبعد ذلك سنقف داخل القطار حتى القاهرة لأن هنالك من سيأخذ مكاننا ومقاعدنا من مدينة أسيوط ولكن هذا لا يعني بأن التذاكر غير متوفرة حتى القاهرة بل هي متوفرة حتى (القاهرة – الإسكندرية) ومن مدينة أسوان نفسها، ولكنه أقنعني بأن الوقت ليس في مصلحتنا خاصة وأن شهر رمضان كان على الأبواب وإنتظارنا حتى نحجز للقاهرة مباشرة سيأخذ منا زمناً طويلاً.
وافقت على فكرته فهو أدري مني بمثل هذه الأمور ولا مشكلة لدي البتة فقد كنت سعيداً جداً لأني سأزور القاهرة الكبرى (قاهرة المعز) فلم يكتب الله لي بمشاهدة القاهرة إلا عن طريق وسائل الإعلام المختلفة والصحف والمجلات أو عن طريق قصص وحكايات أقربائي وأصدقائي الذين زاروها من قبل، ولكن هذه المرة الأمر مختلف تماماً، وقد كان مختلفاً حقاً.
قطار الصعيد 
بالثانية تحركنا وكما هو مدون تماماً بالتذكرة وكان ذلك قبيل صلاة المغرب من محطة أسوان، سمعت أصوات عجلات القطارات وهي ترتفع رويداً رويداً إيذاناً ببدء رحلة طويلة وممتعة، ومغامرة حقيقية، وصوت صافرة القطار العالية (الكليتون) يؤذن بالرحيل المرتقب، وكل راكب قد أخذ مكانه وودع أهله تواً سواء من على الرصيف أو من خلال نوافذ القطر، عندها كنا نفارق مدينة أسوان الرائعة وأهلها الطيبون ولأول مرة أحزن عند مفارقتي لإحدى المدن في حياتي، فهذا الأمر لم يحدث معي أبداً عندما كنت في السودان!.
 كنت أجلس بالقرب من النافذة الزجاجية للقطار تحديداً في الجانب الشرقي له، أرنو وأتجول وأستمتع بناظري هنا وهناك، شاهدت القرى النوبية المتناثرة هنا وهناك في كل مكان والقطار يزيد من سرعته كل مرة والغروب على الأبواب والقرى المنيرة بدأت تظهر كمحار متنثارة على رمال الشواطئ البيضاء في ضوء القمر الساطع.
مناظر بديعة وخلابة وجميع القرى هي قرى زراعية ومتاخمة للنيل وضفتيه، كل مسافر يلاحظ وجود أشجار النخيل وبكثافة على ضفتي النهر الخالد، والزراعة عند المصريين فن ووراثة وتكييف وتكيف ومتعة وإتقان وثقافة وحب وإنتماء، فهم يجيدون الزراعة حيث لا يوجد حقل زراعي خالي من النباتات والشتول المزهرة والكثيفة والمخضرة والغنية بكل شئ، يزرعون الأرض طوال العام وبصورة مستمرة ودائمة وبحرص تام.
 مناظر القرى رائعة وهي كلها عبارة عن عمارات صغيرة وبيوت عادية ولكن بالطوب الأحمر والحقول الزراعية التي بجانبها تسر الناظرين وتحمد الله على سفرك عن طريق القطار. 
بعد مسافة ليست بالقصيرة وصلنا إلى مدينة (دراو) وهي أولى محطات القطار بعد أسوان شمالاً وهنالك نزل بعض ركاب مدينة دراو وصعد آخرون ذاهبون للمحافظات الشمالية أو القاهرة الكبرى.
بعد فترة قصيرة وصلنا مدينة (كوم أمبو) الشهيرة وهنالك توجد محطة قطار ولكنها ليست كبيرة مثل محطة قطار مدينة أسوان، أيضاً نزل بعض الركاب وصعد آخرون والقطار لم يتوقف كثيراً فهو مرتبط ومبرمج بزمن محدد.
إنطلقنا من مدينة كوم أمبو تجاه الشمال وعلى الضفة الشرقية من نهر النيل العظيم، وفي الطريق كنا نلاحظ ونشاهد القطارات التي تتجه من القاهرة صوب أسوان فكل خط بمفرده منعاً للإصطدامات وحوادث السير والطرقات والقطارات التي كانت تحدث كثيراً في الماضي، كما أن الخطوط الخاصة بالعربات العادية (شوارع الأسفلت) تبعد قليلاً عن سكك حديد القطارات وكل الخطوط قريبة جداً من نهر النيل، والحركة لا تتوقف في كل الخطوط وهذا إحساس جميل وتستشعر فوراً قيمة ذلك البلد.
 وصل القطار بعد مدة ليست بالقصيرة محطة مدينة (إدفو) وهي مدينة متوسطة الحجم وأعتقد وجود جسر نيلي يحول إتجاه السكة الحديدية الخاصة بالقطار من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية للنيل إن لم تخني الذاكرة، وكالعادة نزل بعض الركاب وصعد آخرون متجهين صوب مدن ومحطات الشمال.
ثم إتجهنا شمالاً مرة أخرى ولاحظت في كل مرة أن القطار لا يتوقف كثيراً ربما يتوقف لمدة 10 دقائق فقط ولكن كل المسافرين يعرفون مواعيدهم سواء من يريد النزول أو من ينتظر وصول القطار لكي يلتحق به في المحطة الخاصة به، وصل القطار هذه المرة مدينة (إسنا) على الضفة الغربية من النهر وهي مدينة متوسطة الحجم ومعظم سكانها من أهل الصعيد.
 إنطلق القطار مرة أخرى نحو الشمال صوب مدينة الفراعنة ومدينة التاريخ والعظماء (مدينة الأقصر) وعاصمتها في حقب كثيرة وهي محافظة بحد ذاتها، كما أنها مدينة تاريخية مشهورة جداً بمعابدها التاريخية وبوجود وادي الملوك بها، وطريق الكباش ومدافن ومعابد الفراعنة والحكام المصريين القدماء، والحديث عن هذه المدينة التاريخية والسياحية يطيل ويطول ولكننا لم نطأ أرضها إلا عن طريق القطار، كان القطار هذه المرة في الضفة الشرقية للنيل العظيم.
 وفي تلك المدينة كما توقعت نزل عدة ركاب وصعد ركاب كثر فهي مدينة بكل ما تحملها الكلمة من معنى تجمع الماضي والحاضر وحتى المستقبل، وعند توقف القطار هناك تشعر بأن التاريخ يعيد نفسه من جديد ويمر من أمامك وخلفك، وتفتخر بأنك في يوم من الأيام قد مررت بهذه المدينة التاريخية العريقة جداً.
القطار لم يقف قليلاً في هذه المدينة كما كان يقف في المدن الأخرى التي ذكرتها والتي تقع ما بين أسوان والأقصر لكثرة حركة المسافرين هناك، من ثم إنطلقنا من هناك تجاه مدينة متوسطة تسمى بمدينة (قوص) حيث توقف القطار.
 ثم إنطلق مرة أخرى نحو الشمال حتى وصلنا مدينة معروفة وهي مدينة (قنا) وهي من محافظات مصر وتسمى بنفس الإسم (قنا) وكل القرى النوبية وقرى الصعايدة وغيرهم والتي تقع جنوب القاهرة وحتى الحدود السودانية تسمى بالوجه القبلي أو منطقة صعيد مصر وكلمة الوجه القبلي ليست غريبة على أهل الشمال في السودان وبالأخص (النوبة) فهي تعني (الجنوب) وكلمة بحري تعني (الشمال) ولكن سميت القرى والمدن التي تقع شمال القاهرة (منطقة الدلتا ومحافظات الشمال) بالوجه البحري لأنها قريبة من ساحل البحر الأبيض المتوسط.
بعد مدينة قنا وبعد حركتي الصعود والنزول للركاب إتجهنا مرة أخرى صوب الشمال قاصدين القاهرة ولكن قبل ذلك لا بد وأن يمر القطار بعدة مدن كبيرة وبعدة محافظات مشهورة.
 داخل القطار كان هناك نشاط غير عادي من الباعة ومن موظف القطار المسئول عن التذاكر وداخل القطار شئ رائع حيث المقاعد الفاخرة والوثيرة والكبيرة والتكييف الجميل والإضاءة الجيدة، كما تجد أيضاً باعة الصحف اليومية وباعة الأطعمة الجاهزة والعصائر والمكسرات وما إلى ذلك وكلهم لديهم تصاريح بالبيع ومراقبون من قبل المسئولين بإستمرار، فعندما تكون داخل القطار تشعر وكأنك في سوبر ماركت كبير لذا لم نشعر بطول المدة وبإرهاق السفر الطويل، بل لم نشعر سوى بالمتعة وبروح المغامرة، فالمسافة طويلة جداً ما بين مدينة أسوان والقاهرة الكبرى ونحن ما زلنا في الليل، والليل ما زال طفلاً يحبو.
 وصل القطار مدينة (دشنا) وهي مدينة صغيرة والحركة بها عادية مقارنة مع باقي مدن الصعيد الكبرى والقطار لم يقف كثيراً بها.
بعد ذلك وصلنا مدينة معروفة بسكانها الصعايدة سواء من المسلمين أو الأقباط المسيحيين إنها مدينة (نجع حمادي) وقد حصلت حادثة مشهورة وفتنة طائفية في نفس هذا العام (2010م) ما بين المسلمين والأقباط المسيحيين الأرثوذوكس وتحديداً في بلدة (دير مواس) شمال المدينة الكبرى حيث طالب المسلمين القساوسة المسيحيين بتسليمهم للسيدة (كاميليا شحاتة) لأنها أعلنت إسلامها ولا يجوز حبسها داخل الكنيسة، بينما نفى القساوسة والآباء الكهنة هذا الأمر وحصلت مشاكل كثيرة بينهما تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة حينها، وفقدت الكثير من الأرواح من الجانبين.
مدينة نجع حمادي تعتبر مدينة كبيرة وبها سكان كثُر كما أنها مشهورة بالحركة التجارية وبالمحاصيل الزراعية، وبها مساجد وكنائس كبيرة ولكن لعن الله الفتنة ومن أيقظها.
 توقف القطار هناك أيضاً لدقائق معدودة ثم إتجه شمالاً نحو مدينة (البليانا) وهي مدينة صغيرة أيضاً، ثم وصلنا بعد ذلك مدينة (جرجا) وهي مدينة متوسطة الحجم ومدينة زراعية وبها أيضاً مسيحيون ومسلمون ونزل من نزل وصعد من صعد على متن القطار.
وصلنا بعد فترة قصيرة مدينة (سوهاج) وهي محافظة قائمة بذاتها ومعروفة جداً، وقد وصلناها في وقت متأخر من الليل وهي مدينة كبيرة جداً بل هي عاصمة لمحافظة سوهاج نفسها وبها نشاط كثيف أيضاً في عدة أصعدة والحركة فيها لا تتوقف أبداً وهنالك صعد ركاب كُثر ونزل بعض الركاب وإمتلأ القطار أكثر من ذي قبل.
وصل القطار بعد ذلك مدن صغيرة في الطريق نحو الشمال مثل مدن (طهطا) وهي مدينة العالم والفقيه المعروف (رفاعة رافع الطهطاوي)، وكذلك توقفنا قليلاً بمدينة (طمـــا) الصغيــرة إن لم تخني الذاكـــرة.
كانت المدن كثيرة والمحطات متنوعة والحكومات المصرية المتعاقبة ومنذ الأسرة العلوية إهتمت بهذا الجانب الحيوي كثيراً فالمحطات تتشابه في طريقة البناء وفي أرصفتها وفي بواباتها وفي كل شئ وكأنك تمر بنفس المحطة بعد كل نصف ساعة.
عندما وصلنا مدينة ومحافظة (أسيوط) الشهيرة والقابعة على ضفاف النيل كنا قد قطعنا أكثر من نصف الطريق ما بين مدينة أسوان والعاصمة المصرية القاهرة الكبرى، ومدينة أسيوط أيضاً مدينة كبيرة جداً وهي مسقط رأس الرئيس المصري الراحل (جمال عبد الناصر) وكذلك مكان ميلاد والد العالم والمفكر الإسلامي (جلال الدين السيوطي)، فهي مدينة لا تقل عن باقي المدن المصرية الكبرى في شئ لأن بها كل شئ، فهي مدينة صناعية ورياضية وتجارية وزراعية وثقافية ونفطية وبها مصنع ضخم للإسمنت وبها سكان مسلمون ومسيحيون أيضاً وتعدادهم كبير جداً، وحدثت بها أيضاً عدة فتن طائفية ما بين المسلمين والمسيحيين بكل أسف.
في هذه المدينة بالتحديد قمنا بمبارحة مقاعدنا الوثيرة لركاب آخرين فقد قطعنا تذاكرنا من قبل وكما ذكرت سابقاً من مدينة أسوان حتى أسيوط فقط لأننا لم نجد تذاكر مباشرة حتى القاهرة الكبرى.
كان لدينا خياران حينها، إما النزول من القطار ومن ثم حجز تذكرتين من محطة مدينة أسيوط حتى القاهرة إذا ما أردنا الجلوس على المقاعد ولكن علينا أن ننتظر القطارات الأخرى القادمة من أسوان، أو مواصلة الرحلة في نفس القطار وبدون دفع أي شئ من المال ولكن علينا أن ندبر أماكن وقوفنا بأنفسنا، وكان الخيار الثاني هو الحل الأمثل.
 بعد ذلك إنطلق القطر بنا حتى مدينة (منفلوط) وكلنا نعرف من هو (مصطفى لطفي المنفلوطـــي)، ذلك الرجل الشاعر والصحفي والأديب المصري الشهير فهو من هذه المدينة وهي مدينة متوسطة الحجم وليست كبيرة إذا ما قورنت ببقية المدن التي في الصعيد المصري والقطار لم يقف بها كثيراً.
كنا في ذلك الوقت أنا وصديقي قد وجدنا مكاناً مناسباً ما بين عربتين في القطار وكانت منطقة مغلقة من الأسفل وبها شبابيك عريضة وتدبرنا أمورنا ببعض صناديق المياه الغازية وكنا نتبادل أماكننا ونتسامر سوياً ولم نشعر بالوقت أبداً وإنضم إلينا أحد أصدقاء ياسر وهو من النوبة المصريين (ظننته سودانياً في في أول الأمر)، وبعد فترة قصيرة وصل القطار إلى مدينة (ملوي) وهي أيضاً مدينة متوسطة الحجم، وقد غادرناها مسرعاً.
بعد مغادرتنا مدينة (ملوي) وصلنا مدينة مشهورة جداً وهي مدينة (المنيا) وهي عاصمة محافظة المنيا وبهذه المدينة الكبيرة تجد كل شئ أيضاً، ومحطتها كبيرة جداً وقد رأينا ضخامة هذه المدينة عن قرب وصعد منها ركاب كثر ونزل آخرون أيضاً، وهي مدينة الفنان الشعبي ماهر المنياوي (الصعيدي)، وهو نجل الفنان الشعبي الكبير مكرم المنياوي، وهي مدينة عريقة وبها نشاط واسع ورائعة المنظر وتحيط بها مناطق زراعية كبيرة وسكانها تقريباً كلهم من الصعايدة وبها أيضاً أتباع الديانة المسيحية الأرثوذوكسية وبها دور كثيرة للعبادة وجامعة مشهورة وهي جامعة المنيا وهي مدينة تجارية وصناعية أيضاً.
بعد ذلك وصلنا مدينة (سمالوط) إن لم تخني الذاكرة وهي مدينة طبق الأصل من باقي مدن الصعيد المصرية ولم نقف بها كثيراً، ثم توقف بنا القطار بعد برهة بمدينة (بني مزار) وعند وصولنا لهذه المدينة كان الصبح قد دخل علينا وبدأنا نرى كل شئ بوضوح تام.
ثم وصلنا مدينة (مغاغة) وهي أيضاً مدينة متوسطة الحجم والسكان، وبها حركة دائمة ونشاط منقطع النظير وهي مدينة زراعية وتجارية كحال معظم المدن التي في الصعيد المصري أو في الوجه القبلي كما ذكرت لكم سابقاً.
بعد ظهور أولى خيوط الفجر ورؤيتنا لضوء الشمس الذهبي الساطع لكل محافظات ومدن وقرى الصعيد وصل بنا القطار مدينة مشهورة جداً وهي آخر المحطات في الصعيد المصري (الوجه القبلي) قبل الدخول إلى مدينة القاهرة الكبرى، إنها مدينة (بني سويف)، فهي تقع شرق المدينة الأجمل في الريف المصري كله تقريباً وهي مدينة الفيوم وهي محافظة قائمة بذاتها تسمى أيضاً بمحافظة (الفيوم) والتي بها بحر يوسف وبركة قارون وهي المدينة التي عاش فيها قارون والمذكور في القرآن الكريم.
 بالعودة إلى مدينة بني سويف فقد وجدناها مدينة رائعة الجمال، وبها جامعة عريقة وهي محافظة من محافظات مصر وأولى المحافظات الصعيدية التي تقع جنوب مدينة القاهرة مباشرة، وهي مدينة تعج بالحركة وبالنشاط وبالتجارة وبالسياحة وبالسكان وبكل شئ وبها نادي رياضي يسمى بتلفونات بني سويف، وتوجد بهذه المدينة كل مقومات الحياة العصرية ولديها محطة قطارات كبرى، هنالك توقف القطار لمدة ليست بالقصيرة وكالعادة نزل البعض وصعد آخرون وهذه المرة كان العدد كبيراً نوعاً ما فالكل كان يريد الوصول إلى القاهرة مع صباحات هذا اليوم عبر مدينة ومحافظة (الجيزة).
إتجه القطار بنا نحو الجيزة عند الساعات الأولى من صبيحة ذلك اليوم الذي لن أنساه أبداً في حياتي ونزل بعض الركاب في ضاحية الجيزة بينما معظمهم ظلوا باقين في أماكنهم يريدون الوصول إلى محطة مصر (محطة رمسيس) في قلب الثاهرة. 
في محطة مصر
وصل بنا القطار ضاحية الجيزة الجنوبية، وهي محافظة بحد ذاتها ولكنها من ضمن مدينة القاهرة الكبرى فالقاهرة وحلوان (وهي الأخرى كانت محافظة بحد ذاتها) تقعان شرق نهر النيل ومعهما الجزء الجنوبي من محافظة القليوبية، بينما الجيزة ومعها مدينة 6 أكتوبر (كانت محافظة أيضاً) تقعان غرب النيل وكل هذه المحافظات تشكل معاً منطقة القاهرة الكبرى مثل مدن (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري) فهي جميعها تشكل العاصمة المثلثة بالرغم من وجود بعض التقسيمات الإدارية التي تقسمهم إلى معتمديات كبيرة.
للعلم في مصر المحافظة توازي الولاية في السودان وعدد محافظات مصر 27 محافظة وهي: (القاهرة - الإسكندرية – البحيرة – المنوفية – دمياط – كفر الشيخ - الدقهلية - الغربية - الشرقية - أسوان - قنا - الأقصر - سوهاج - أسيوط - المنيا - الفيوم - بني سويف - الجيزة - مرسى مطروح - الوادي الجديد - جنوب سيناء - شمال سيناء - البحر الأحمر - السويس - الإسماعلية - بور سعيد – القليوبية).
إتجه القطار بنا هذه المرة نحو محطة مصر (محطة رمسيس) وهو يشق طريقه عبر مدينة الجيزة وهنا ظهرت العمارات الضخمة والمباني التاريخية العملاقة والعتيقة والأحياء الشعبية وكذلك الأحياء الراقية والحدائق والمتنزهات والمؤسسات والمساجد الكبيرة والمعابد والشوارع الواسعة وصخب وضجة الزحام وكل شئ، وكما توقعتها تماماً فنحن في قلب إحدى أكبر وأعظم وأشهر العواصم في أفريقيا والوطن العربي، توقف القطار قليلاً في محطة عادية ونزل بعض الركاب ولكن لم يصعد أحد لإقترابنا من محطة مصر.
 عندما وصل بنا القطار جسر (إمبابة) الشهير شاهدنا نهر النيل وهو يشق مدينة القاهرة ويقسمها إلى قسمين (شرق وغرب)، وعلى الجنوب من هذا الجسر الشهير وكما هو معروف للكل تقبع مباني مشهورة جداً طالما رأيناها عبر وسائل الإعلام المختلفة وأول ما لفت إنتباهي هو مبنى الإذاعة والتلفزيون الشهير (الماسبيرو) بالقرب من جسر 6 أكتوبر في الضفة الشرقية ويقع على الجنوب منه مباشرة فندق هيلتون رمسيس وهي أيضاً تعانق نهر النيل من الضفة الشرقية، ولا يفوتني أن أذكر محور 6 أكتوبر وبالقرب منه ميدان عبد المنعم رياض ومتحف مصر القومي وميدان مبنى التحرير وكبري قصر النيل ومبنى جامعة الدول العربية وفندق سمير أميس إنتركونتنينتال والجامعة الأمريكية وكل ذلك في وسط البلد وقد قمت بزيارة هذه المعالم عدة مرات فيما بعد، وهي معالم متقاربة ومتجاورة مع بعضها البعض.
منظر النيل في القاهرة مهيب ورهيب وساحر خاصة بالليل فكل شبر تم الإستفادة منه وهو الوريد الحيوي لكل القاهرة بل لكل مصر، والقاهرة غنية بمعالمها التاريخية وتحتاج منا إلى مئات الصفحات للحديث عنها ووصفها والإنسان لا يمل من الحديث عن القاهرة.
أخيراً جداً، وصل القطار محطة رمسيس (محطة مصر) في وسط البلد وهي واحدة من أكبر محطات القطارات في أفريقيا والشرق الأوسط وهي نقطة تجمع كل قطارات مصر ومن مختلف الوجهات والمحافظات والمدن والحركة بها لا تتوقف أبداً فهي تعمل كخلية نحل وهي مصدر دخل كبير جداً للدولة المصرية.
وربما حركة القطارات تحدث بعد كل ربع أو ثلث أو نصف ساعة (من وإلى المحطة)، وكل القطارات الموجودة هناك قطارات حديثة ويتم الإعتناء بها جيداً، وصيانتها وتغييرها إذا لزم الأمر، حيث لم أتعجب من ضخامة هذه المحطة العملاقة ونتمنى أن نجد مثل هذه المحطة في كل دول المنطقة.
القاهرة ولياليها الحالمة
غادرنا القطار بهدوء وكان في إنتظارنا وبالقرب من (مسجد النور) الشهير بوسط البلد وبالقرب من المحطة صديقي (شرف الدين سعيد) وهو من أبناء أردوان المحس وكان يقيم في القاهرة منذ سنين عدة وقد جاء إليها بغرض السفر إلى أمريكا ولكنه لم يوفق في ذلك وعمل بعد ذلك في تأجير الشقق وتعرفت عليه عن طريق أحد أقاربي.
 بعد أن تصافحنا توجهنا مباشرة نحو (مترو الأنفاق) ولأول مرة في حياتي أرى المتـــرو علناً فقد رأيته عبر الأفلام والمسلسلات المصرية وعبر وسائل الإعلام المختلفة، ولمعرفة محطات المترو المختلفة تجد بالقرب من مداخلها الرئيسية كلمة Metro وهي مكتوبة في لافتات مضيئة ودائماً ما تكون لمحطات المترو 4 مداخل رئيسية، وليست كل المحطات أو خطوط المترو مغطاة أو في باطن الأرض كما يعتقد البعض، فبعضها غير مغطاة خاصة المحطات التي تبعد عن وسط البلد.
هنالك خط مشيد تحت قاع نهر النيل وهو الخط الرابط ما بين محطة (السادات) في ميدان التحرير ومحطة (الأوبرا) في منطقة الجزيرة الرائعة قبل الدخول إلى محافظة الجيزة، وأقرب محطة مترو لمحطة مصر هي (محمد حسني مبارك) وقد تغير هذا الإسم بعد قيام ثورة 25 يناير 2011م إلى محطة (الشهداء) تكريماً للشهداء الذين ثاروا ضد حكم الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك نفسه.
 تنقلنا نحن الثلاثة عبر ممرات وردهات وسلالم ذلك المشروع الضخم والذي إنجز في ثمانينيات القرن العشرين لمساعدة المصريين على التنقل من وإلى وسط القاهرة وللحد من الزحام غير العادي في القاهرة الكبرى، حيث قمنا بشراء التذاكر الصفراء ذات الخطوط السوداء والخاصة بالمترو وهي تذاكر تستخدم لرحلة واحدة فقط وكان ثمنها (جنيهاً واحداً فقط).
 لم نقف طويلاً في المحطة ولم ننتظر القطار السريع كثيراً فقد أتى قطار المترو بعد 5 دقائق أو أقل منذ لحظة وقوفنا هناك وهي تسير بسرعة كبيرة جداً وتقف في المحطة عادة لمدة دقيقتان تقريباً، والشخص الذي يريد النزول في محطة ما عليه أن يكون قريباً من البوابات الآلية لقطار المترو وعليه أن ينزل مسرعاً من القطار ومن يريد الصعود عليه أن يقف على حافة رصيف المترو لكي يصعد مسرعاً، وهي عملية منظمة ورائعة جداً وكل الركاب يعرفون كيف يتصرفون.
 المهم صعدنا نحن الثلاثة على متن المترو وكان ممتلئاً للآخر فخطوط مصر حتى ذلك الوقت كان خطان فقط هما: (خط المرج – حلوان)، وكذلك خط (شبرا – المنيب) وسمى فيما بعد بخط (شبرا - الجيزة)، فهذا المترو يعمل يومياً كما علمت بعد ذلك بأيام من الساعة 5:30 صباحاً إلى الساعة الــ 12 ليلاً في فصل الشتاء، بينما يعمل صيفاً من الساعة 5:30 صباحاً إلى الساعة الـــ 1 صباحاً.
فيما بعد حفظت محطات المترو في القاهرة عن ظهر قلب فالخط الأول هو خط (المرج الجديد – عين حلوان) ويضم محطات عديدة وهي: (عين حلوان - جامعة حلوان - وادي حوف - حدائق حلوان – المعصرة - طرة الأسمنت - كوتسكا - طرة البلد - ثكنات المعادي – المعادي - حدائق المعادي - دار السلام - الزهراء - مار جرجس - الملك الصالح - السيدة زينب - سعد زغلول – السادات - جمال عبد الناصر - أحمد عرابي – الشهداء (حسني مبارك سابقاً) - غمرة - الدمرداش - منشية الصدر - كوبري القبة - حمامات القبة - سراي القبة - حدائق الزيتون - حلمية الزيتون – المطرية - عين شمس - عزبة النخل – المرج - المرج الجديد).
ويضم الخط الثاني ويسمى بخط (شبرا الخيمة – الجيزة) محطات عديدة وهي: (المنيب - ساقية مكي - ضواحي الجيزة - محطة الجيزة – فيصل - جامعة القاهرة – البحوث – الدقي – الأوبرا - السادات (متقاطع من الخط الأول) - محمد نجيب - العتبة (متقاطع من الخط الأول) – مسرة - روض الفرج - سانتا تريزا – الخلفاوي – المظلات - كلية الزراعة - شبرا الخيمة)، وهنالك خط ثالث تحت الإنشاء وربما تم إفتتاح جزء منه ويبدأ من مطار القاهرة الدولي في شرق القاهرة ويمر بحي العباسية الشهير، كما هناك خط ثالث تم إنجازه قريباً وسينتهي العمل نهائياً عام 2021م.
 كما أن لدى الحكومة المصرية خطة لبناء بعض الخطوط الأخرى لتصبح عدد الخطوط حتى وقت التخطيط 6 خطوط ولو تم إنجازها فسوف يساعد كثيراً على تخفيف الزحام في القاهرة.
بعد محطات بسيطة جداً غادرنا المترو وتحديداً في محطة محمد نجيب (أسفل ميدان محمد فريد مباشرة) بوسط البلد فأصدقائي يقطنون في حي عابدين الشهير بوسط البلد وتحديداً في شارع (محمد محمود) وهو شارع قد ذاع صيته أثناء ثورة 25 يناير ويعرفه الناس بأحداث (محمد محمود) وهو شارع حيوي يربط بين شارع محمد فريد وميدان التحرير.
 الحي الذي وصلناه كان حي (البلاقسة) والشارع الذي يقودك إلى شقتنا من شارع (محمد فريد) حتى المنزل يسمى بشارع (البلاقسة) على إسم الحي وهو حي قديم وعتيق وشوارعها ليست واسعة وسكانها قدماء جداً في تلك المنطقة.
 كنت أتأمل العمارات والبنايات القديمة والتي تحكي روعة وتاريخ وعظمة هذه المدينة العريقة فكل شئ يشعرك بأنك في مدينة تختلف عن باقي كل المدن التي رأيتها في أي مكان حيث المقاهي المتناثرة هنا، والمطاعم العالمية والفخمة والعادية والباعة المتجولين والمكتبات الصغيرة والكبيرة ومقاهي الإنترنت والجزارات ومحلات الخضر والفاكهة وصوالين الحلاقة والمساجد والمدارس والبقالات والمحلات التجارية الفخمة على جوانب الشوارع الرئيسية والبيوتات الفنية والثقافية، وداخل الحي تجد كل ما تريده وبدون أي تعب، فكل شئ موجود داخل الحارة التي تقطن بها، وهي ميزة رائعة ومفيدة.
البناية التي بها الشقة كانت عادية جداً حيث تتكون من ثلاث طوابق، والشقة لم تكن صغيرة على حسب مساحات الشقق التي تجدها في وسط البلد، وكانت تتكون من 3 غرف نوم وصالة وحمام ومطبخ، وكان بالطابق الثاني تماماً وبدون مصعد كهربائي، والإيجار الشهري كان لا يتجاوز 1200 جنيهاً مصرياً وهو سعر مناسب بالنسبة لمواصفات الشقة ومكانها وزمانها وقد إزداد هذا السعر الآن ربما أضعافاً وقد لا تجد مثل هذه الشقة في الوقت الراهن بأقل من 7000 جنيهاً مصرياً.
على العموم إيجار الشقق في القاهرة والإسكندرية وباقي المدن المصرية تتوقف على نوع الشقة وعلى مساحتها وعلى الخدمات المتواجدة عامة في الشقة مثل المصاعد الكهربائية والمكيفات وشاشات التلفزيون ونوع الأثاث والتأمين وما إلى ذلك، والإيجارات هناك باليوم أو بالأسبوع أو بالشهر أو إيجارات طويلة المدى، إما إذا كنت تمتلك شقة خاصة في القاهرة فأنت والحظ السعيد سواسية.
 دلفنا إلى الشقة نحن الثلاثة (أنا والراحل ياسر وشرف) وأول من قابلني هو صديقي العزيز (جبريل عبد الرحمن مصباح) وهو نوبي من أبناء مدينة كرمة بشمال السودان، وسافر إلى مصر بغرض السفر إلى كندا ولكنه لم يوفق في ذلك وأعتقد أنه الآن بالسعودية.
الشقة المعنية كانت عبارة عن خلية نحل وكانت عبارة عن تجمع شبابي رائع، حيث يحلو الكلام والدردشات والتلفاز لا يتوقف أبداً وهنالك من يشغل نفسه بجهاز الكومبيوتر الخاص به، وكان معنا شباب يحبون لعبة الورق (الكوتشينة).
 أذكر من الشباب والأصدقاء الرائعون جداً، منهم من كان يسكن معنا ومنهم من كان يقوم بزيارتنا بصورة روتينية (جبريل مصباح  - أحمد صالح (تينا) - هشام موسى – مؤيد سعيد – عصام محجوب (قاشا) – جاسم الفاتح أحمد – عليش عبد المجيد – علي عبد الله بدري – نايف ورامي عباس – علي المالي – الشيخ طلحة - محمد حاج شمت (حمو حاج) – الحاج كدركة – مجدي السمسار – بدر الدين الدنقلاوي – ماجد حسس – ماجد الحلفاوي – هيثم جلال النور – ميرغني حسن – محمد زمراوي (حمو جدع) – دكتور أسامة – العم إبراهيم وشقيقه عباس أردوان - أبو بكر زمراوي (الخليفة) – العازف ميمي - جمال ود بحري – خالد سعيد – المحامي طلال – محمد محجوب – أحمد مأمون (اللاماب) – وليد ميرغني سيد أحمد – فائز قاشا – الفاتح أردوان – مصعب علي عوض – الباشمهندس أسعد – عبد الله الكسلاوي – ناصر المحسي – مجاهد بلال – أحمد المصري – عمر طلب (قباري) - ...إلخ).
في نفس ليلة وصولي للقاهرة جاء لزيارتي قريبي وجاري محمد زمراوي إبراهيم (حمو جدع) ومعه صديقه الدكتور أسامة وهو من أبناء حي الرياض بالخرطوم، حيث كانوا يسكنون حينها في حي المنيب (نهاية المترو في الجيزة تقريباً)، ومن الغرابة في الأمر أنه كان يدرس في (الجامعة الأمريكية فرع القاهرة) بوسط البلد إلا أن هذه الغرابة قد زالت بعد أن عرفت بأن المترو أسفل شقتهم ولا مشكلة لديه لكي يصل محطة السادات بوسط البلد وهي أقرب المحطات للجامعة الأمريكية.
 ذهبنا سوياً إلى شارع (26 يوليو) الشهير جداً بوسط البلد، بعد أن أخذت قسطاً من الراحة وبعد أن قمنا بتوصيل صديقنا ياسر إلى شارع مجلس الأمة حيث كان ينتظره عمه العائد من ليبيا وقد كان مريضاً وشفي فيما بعد وقرر ياسر أن يقطن معه إلا أنه عاد إلينا بعد 3 أيام حيث سافر عمه إلى أسوان بعد أن شفي ومعه أسرته الكريمة.
 المهم ذهبنا نحن الثلاثة لتلك المقاهي الرائعة والشهيرة بوسط البلد وتحديداً في شارع 26 يوليو وهو شارع مشهور جداً ودائماً ما نشاهده في المسلسلات والأفلام ووسائل الإعلام المصرية، ويتقاطع مع هذا الشارع الحيوي شوارع مشهورة عديدة ومن المعالم الشهيرة على هذا الشارع (دار القضاء العالي) وسينما ريفولي وهي من السينمات التي أحترقت عند نشوب حريق القاهرة في خمسينيات القرن العشرين ولكن أعيد ترميمه بعد ذلك.
 جلسنا في مقهى بالقرب من المقهى الشهير بــ (أم كلثوم) نتبادل ونتجاذب أطراف الحديث وكنت أسألهم دائماً عن المناطق الشهيرة في القاهرة وكيفية الوصول إليها فالشهر الكريم كان على الأبواب ولا بد من زيارة بعض المعالم التاريخية لأن الحركة تقل تدريجياً في ذلك الشهر الكريم، حيث زودوني بعض المعلومات الهامة.
بكل صراحة القاهرة لا تنام أبداً، مدينة صاخبة ومدينة حيوية ليلها كنهارها، عندما تتأمل في المباني التاريخية العملاقة وفي مساجد مصر وحتى في كنائسها وفي الطراز المعماري المعمول به منذ عصور ساحقة ستشعر بعظمة ذلك البلد، لا يوجد شئ للصدفة كل مبنى له تاريخه وله عصره وله مميزاته وحكايته وأسراره، فتارة تجد نفسك أمام بناية حديثة، وتارة أخرى تجد نفسك أمام بناية من العصر المملوكي، وتارة أخرى تجد نفسك أمام مبنى من العصر العلوي، وكذلك العصر الإنجليزي، ومعظم المباني تجدها من العصر العثماني، وفي الأطراف الخاصة بالقاهرة تجد العمارة الفاطمية والأيوبية والطولونية والإخشيدية وغيرهم، وحتى الفترة القصيرة التي كانت بها الحملة الفرنسية على مصر لم تتركها على حالها أبداً.
عدت في ذلك اليوم إلى الشقة خاصتنا بصحبة أصدقائي عند الساعة الواحدة صباحاً وأعتقدت أنني قد تأخرت عليهم ولكنهم قالوا لي بأنهم لن يناموا قبل الرابعة صباحاً وأن الوقت ما زال مبكراً، ومدينة القاهرة تستحق السهر، نيلها خالد، مقاهيها جميلة، الأسواق لا تقفل خاصة في وسط البلد (أسواق العتبة – الموسكي – التوفيقية - وكالة البلح - ...إلخ".
 عدت إلى المنزل وأنا أتأمل في كل ما مر بي خلال العشرة أيام الماضية تقريباً، أي منذ مغادرتي الخرطوم وحتى وصولي لوادي حلفا ومن ثم أسوان عبر بحيرة النوبة وبعد ذلك مروري بمعظم مدن صعيد مصر في الوجه القبلي وحتى وصولي القاهرة، وكان إحساساً رائعاً وجميلاً.
في صبيحة اليوم التالي جاءني صديقي ياسر وقال لي بأننا سوف نذهب إلى أسواق وسط البلد ووافقت على ذلك لأنني كنت أريد الذهاب والتجول في وسط البلد، وأثناء مروري كنت أحدق في كل البنايات التاريخية وأقرأ تاريخها جيداً وكما توقعتها تماماً فهي قديمة وعتيقة وعريقة جداً ووسط البلد منطقة مكتظة وبها سهولة في كل شئ وقد رافقت صديقي ياسر باجيو حتى سوق الموسكي وهو سوق متواجد في منطقة وسط البلد على العتبة وتم تأسيسه منذ العصر المملوكي وسمي على أحد مشاهير المماليك وكان إسمه (موسك) وكان يقطن في تلك المنطقة التي بها السوق في ذلك الوقت، والحركة بها نشطة وتتميز بتجارة الأقمشة بالذات وبلعب الأطفال وبمستلزمات الأسرة والأثاثات المنزلية وهو بمثابة السوق الشعبي لسكان القاهرة والناس في ذلك السوق كثر جداً، والعمل يشمل الكل (رجال ونساء) بل هنالك محلات ومتاجر كلها من النساء فإيقاع الحياة في القاهرة يتطلب تكاتف كل أفراد الأسرة مع بعضهم البعض.
في طريق العودة وبعد قضاء إحتياجاتنا وحاجاتنا مررنا بالقرب من (قصر وميدان عابدين) وهو قصر شهير شيده والي مصر محمد علي باشا ويقع في منطقة عابدين وكان المقر الرئيسي للحكام والولاة والخديويين من (الأسرة العلوية) الذين حكموا مصر والسودان معاً حتى قيام ثورة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر وكان آخر الملوك في ذلك القصر التاريخي هو الملك فاروق، وهو قصر ضخم وفخيم وبني بعناية فائقة الجمال وبطراز معماري كبير غربي - شرقي، وقد تحول إلى متحف كبير وأمامه توجد حديقة كبيرة لعامة الناس، والميدان الذي أمامه سمي بميدان عابدين.
إنها مدينة القاهرة، مهما تحدثنا عنها فلن نوافيها حقها أبداً، فالقاهرة مدينة سياحية عملاقة من الطراز الأول حيث تتواجد بها جميع المظاهر السياحية التي قد يحتاجها الزائر فهناك المواقع الأثرية التي تعود لعصر الفراعنة وأسوار المدينة القديمة التي ترجع إلى العصر الإسلامي والمواقع الإسلامية والمسيحية واليهودية الموجودة منذ دخول الأديان المختلفة لمصر والمناطق الثقافية والمناطق التسويقية الشهيرة وهناك المئات من القصور والمساجد والكنائس والبوابات التاريخية والمباني العريقة من مختلف العصور بالإضافة للأماكن الفنية والمسارح ودار الأوبرا المصرية وغيرها، ولذلك تنتشر بالقاهرة أعداد كبيرة من الفنادق وأماكن الإقامة التي قد تتجاوز أعدادها ما قد توجد بدولة صغيرة بأكملها.
كنت أخرج مع أصدقائي شرف الدين سعيد وياسر باجيو وفيما بعد مع صديقي العزيز جاسم الشيخ ولم أترك شيئاً في القاهرة الكبرى قبل وأثناء وبعد شهر رمضان الكريم إلا وقد زرتها ولم أترك شيئاً للصدفة، وسأتناول هنا وبالتفصيل بعض الأماكن التي قمت بزيارتها أو مررت القرب منها وكل مكان أفضل من الآخر وكل له رونقه وطابعه الخاص، وكنت حريصاً على تذكر وتدوين كل شئ.
من معالم القاهرة المختلفة هي دار الكتب والوثائق القومية وكذلك المتحف المصري والذي صمم في العام 1896م بواسطة المهندس الفرنسي (مارسيل دورنو) وذلك على النسق الكلاسيكي المحدث والذي يتناسب مع الآثار القديمة والكلاسيكية.
 ومن معالم القاهرة أيضاً (خان الخليلي) وهو أحد أحياء القاهرة القديمة ويتمتع بجذب سياحي كبير بالنسبة لزوار القاهرة ومصر بشكل عام، ويتميز البازارات بشكل خاص وهناك أيضاً المحلات والمطاعم الشعبية، كما يتميز بكثرة أعداد السياح وإعتياد سكانه عليهم، وخان الخليلي واحد من أعرق أسواق الشرق كله وليس مصر، يقولون أن عمره يزيد قليلاً على 600 عام، وما زال معماره الأصيل باقياً على حاله منذ عصر المماليك وحتى الآن، وكما هو معروف فقد سمي بهذا الإسم نسبة إلى منشئه الشريف الخليلي الذي كان كبير التجار في عصر السلطان المملوكي برقوق عام 1400م.
ومن المعالم الشهيرة أيضاً في القاهرة (برج القاهرة)، فقد تم بناؤه بين عامي 1956م - 1961م ويقع في قلب القاهرة على جزيرة الزمالك الراقية بنهر النيل، ويوجد على قمة برج القاهرة مطعم سياحي فاخر على منصة دوارة تدور برواد المطعم ليروا معالم القاهرة من كل الجوانب، وبني برج القاهرة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وبلغت تكاليف إنشائه في ذلك الوقت 6 ملايين جنيه.
ومن معالم القاهرة الكبرى (مصر القديمة) وهو أحد أحياء القاهرة العريقة، يحتوي القاهرة الإسلامية والقاهرة القبطية والقاهرة الفاطمية ومدينة الفسطاط القديمة والمتحف القبطي، وقلعة بابل، والكنيسة المعلقة، والكنيسة اليونانية للقديس جورج، والعديد مِنْ الكنائسِ القبطيةِ الأخرى، والمعابد اليهودية ومسجد عمرو بن العاص والجامع الأزهر وقلعة صلاح الدين وتسمى أيضاً (قلعة محمد علي) وهي من أفخم القلاع الحربية التي شيدت في العصور الوسطى ومسجد محمد علي داخل القلعة ومسجد الإمام الحسين والأحياء القديمة كحي السيدة زينب وحي الحسين، ولذلك تعتبر منطقة مصر القديمة هي من أبرز الشهود على التاريخ العظيم للمدينة ولمصر.
كما تضم محافظة الجيزة وهي تتبع للقاهرة الكبرى عدداً من أهم أثار ومزارات مصر مثل أهرامات الجيزة الثلاثة وأبو الهول، ومنطقة آثار أبو صير وسقارة وهرمي دهشور، وحديقة الحيوان وحديقة الأورمان، ومدينة الإنتاج الإعلامي، والقرية الفرعونية بساقية مكى، ومركب خوفو الجنائزي، مما جعلها من أولى المحافظات جذباً للسياح حيث تعتبر الثانية في الترتيب بعد مدينة الأقصر. 
وعلينا أن لا ننسى دار الأوبرا المصرية بجزيرة الزمالك وقد يكون الوحيد بالشرق الأوسط وأفتتحت أبوابه كما قرأت عام 1988م بعد حريق أوبرا القاهرة الأولى الشهيرة عام 1971م وبها ثلاث مسارح (الكبير - الصغير - المكشوف)، ويتبع الأوبرا الحالية العديد من المراكز الثقافية الأخرى مثل متحف الفنون الحديثة المصرية، ومعرض النيل، وجمعية الفنون البلاستيكية ومسرحِ الهناجر بخلاف مسارح الأوبرا، ويقام فيه العديد من العروض الأوبرالية كأوبرا عايدة والعديد من عروض الباليه كاليوناني زوربا والروسي كوبيلياو.
 ومما أذكره في هذا الأوبرا بأنني قد سألت مسئول التذاكر عن سعر الدخول لأوبرا (نيران الأناضول) فأخبرني بأن ثمن التذكرة (300 جنيه) وهي تذكرة غالية جداً حتى على بعض الأثرياء في مصر في عام 2010م، كما تقيم الأوبرا صالونات ثقافية ومعارض فن تشكيلي ومهرجانات موسيقية صيفية لفرق ويوجد بدار الأوبرا أيضاً قصر الفنون.
 ومن المؤسسات التعليمية الفنية الهامة في القاهرة المعهد العالى للفنون الشعبية والمعهد العالى للباليه والمعهد العالى للفنون المسرحية وهم من أهم المراكز التعليمية الفنية في العالم.
مدينة القاهرة أيضاً هي مركز صناعة الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية بمصر والعالم العربي وذلك منذ أكثر من 100 عام، ونجد بالقاهرة كل إستوديوهات السينما الموجودة بمصر وأكبرها مدينة الإنتاج الإعلامي المصرية وهي من أكبر المدن السينمائية في العالم من حيث المساحة والتقنيات وهي تابعة لوزارة الإعلام المصرية، كما يوجد أيضاً الأكاديمية الدولية لعلوم الإعلام بمدينة الإنتاج الإعلامي، ويقام سنوياً بالقاهرة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وهو من أهم المهرجانات السينمائية في العالم.
وهنالك أماكن ثقافية كثيرة في قاهرة المعز مثل مراكز الإبداع المختلفة والأماكن الأثرية الإسلامية وساقية الصاوي وغيرها من الأماكن التابعة لبعض السفارات العربية والأجنبية، ومن أهم الموسسات التعليمية الفنية في مصر هي أكاديمية الفنون المصرية التي أقامتها وزارة الثقافة المصرية عام 1959م للنهوض بمستوى الفن في مصر.
يوجد بالقاهرة العدد الأكبر من الأندية الرياضية الموجودة في مصر وأكثرها شهرة، ومن أشهر أندية القاهرة النادي الأهلي ونادي الزمالك ونادي الجزيرة ونادي الزهور ونادي هليوبوليس ونادي الشمس ونادي السكة الحديد ونادي الترسانة (الشواكيش)، وهليوليدو والمقاولون العرب ونادي النصر، ونادي المعادي الرياضي ونادي اليخت، ولكن الأبرز منهم هم أندية الأهلي والزمالك والمقاولون العرب والجزيرة والترسانة.
ومن أهم الصروح الرياضية في القاهرة هو إستاد القاهرة الذي تأسس في 1955م وإكتمل بناؤه عام 1960م ويصل طاقته الإستيعابية إلى 75 ألف مقعد، وهنالك ملاعب عديدة بالقاهرة مثل ملعب السكة حديد وملعب المقاولون العرب بالجبل الأخضر وملعب القوات المسلحة وكلها ملاعب تصلح لرياضة كرة القدم ولإستضافة الدورات الإقليمية والقارية.
كنت أقوم بشراء صحيفة (المصري اليوم) يومياً لأنها كانت تتبع للمعارضة خلاف الصحف الرئيسية والقديمة جداً والعريضة والتي كانت تتبنى الخطوط العريضة لسياسات الرئيس المصري الراحل (محمد حسني مبارك) خاصة صحيفة الأهرام، وصحيفة الأهرام هي مؤسسة وطنية عملاقة ومن أعرق المؤسسات الصحفية في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا وتصدر عنها جريدة الأهرام اليومية والأهرام إيبدو وجريدة المساء ومجلة العربي ومجلات أخرى.
 وهناك دار أخبار اليوم أيضاً والذي يصدر عنه جريدة الأخبار اليومية وأخبار اليوم الأسبوعية والعديد من المجلات، وهناك دار التحرير ويصدر عنه جريدة الجمهورية، ويصدر أيضاً في القاهرة العديد من الصحف الخاصة كجريدة المصري اليوم وهي من أقوى الصحف المصرية الحديثة كما قلت سابقاً وأيضاً تصدر في القاهرة الصحف الحزبية المختلفة كجريدة الغد وجريدة الوفد وهناك أيضاً صحف الأسبوع والأهالي والدستور وروز اليوسف وغيرها.
 وكذلك يوجد بالقاهرة مقر وكالة أنباء الشرق الأوسط، وهي وكالة الأنباء الرئيسية في مصر، كما نجد أن مقار قنوات التلفزيون الأولى والثانية والثالثة موجودة بمبنى ماسبيرو بوسط المدينة (وسط البلد)، وهي من المباني العريقة والعملاقة والتاريخية وتطل على النيل مباشرة من الضفة الشرقية، ومصر تمتلك القمر العربي (نايل سات) ولديها العديد من القنوات الفضائية والإذاعات المحلية وإذاعات أف أم، وبها وكالات أنباء محلية ودولية متعددة جداً.
أحياء القاهرة الشهيرة والتي عرفتها قبل وأثناء وبعد شهر رمضان في العام 2010م إن لم تخذلني الذاكرة كثيرة جداً وهي: (بولاق وجاردن سيتي والزمالك وقصر النيل ومصر الجديدة والنزهة ومدينة نصر والوايلي والعباسية وعين شمس والمرج والمطرية والقطامية ومدينة السلام وشبرا والساحل والزاوية الحمراء والشرابية وروض الفرج وحدائق القبة والزيتون والمنيرة الجديدة ومصر القديمة وجزيرة الروضة والبساتين ودار السلام والمعادي وحلوان والمعصرة والتبين والموسكي والخليفة والمقطم وباب الشعرية والسيدة زينب والدرب الأحمر والعتبة والحلمية الجديدة والجمالية وعابدين، ...إلخ).
وهنالك مدينة (6 أكتوبر) وكانت محافظة قائمة بذاتها وتقع على طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي غرب القاهرة وشمال الجيزة وبها قرى سياحية فخمة ومدن وأحياء راقية جداً ويقطن بها نخبة المجتمع، ومن أحياء الجيزة (محافظة قائمة بذاتها) على سبيل المثال وليس الحصر: (إمبابة - الدقي - العجوزة – المهندسين - العمرانية - المنيب - فيصل - الهرم - بولاق الدكرور - أرض اللواء ...إلخ)، وهي أحياء معروفة ما بين العريقة والحديثة والشعبية.
هنالك مساجد عتيقة وعريقة جداً في القاهرة وأول مسجد قمت بزيارته رسمياً هو مسجد السيدة زينب في حي السيدة زينب والقابع في شارع بور سعيد الشهير ومساحة هذا المسجد كبيرة جداً وإرتفاعه مبهر ونجد على أبوابه طالبي الرزق والباعة، ويصلي بهذا المسجد جموع غفيرة جداً وفي صلاة الجمعة إن لم تذهب منذ وقت مناسب قبل الأذان لن تجد مكاناً لك كعادة معظم مساجد مصر.
 ومن أشهر مساجد مدينة القاهرة العتيقة التي قمت بالصلاة عليها أو زيارتها أو مررت بالقرب منها وعن قصد هي: (الجامع الأزهر - مسجد عمرو بن العاص - مسجد أحمد بن طولون - مسجد السلطان حسن - مسجد محمد علي - مسجد السيدة نفيسة - مسجد الحسين - مسجد الحاكم بأمر الله - مسجد الرفاعي - مسجد الإمام الشافعي - مسجد المؤيد شيخ - مسجد السيدة زينب - مسجد جمال الدين الأستادار - مسجد مراد باشا - مدرسة الناصر محمد بن قلاون - مسجد داعى الدار - جامع السلطان الظاهر بيبرس - جامع أبن برديك - مسجد المرأة (فاطمة الشقراء) - مسجد خاير بـــك - مسجد الكخيا بالعتبة - ...إلخ).
 وقد حرصت على أن أحفظ أسماء هذه المساجد عن ظهر قلب لولعي الكبير بالتاريخ وبالحضارات القديمة وهي مساجد تستحق منا زيارتها والحديث عنها.
ومن معالم القاهرة القبطية هي: (الكنيسة المعلقة - المتحف القبطي - حصن بابليون - كاتدرائية القديس مرقس القبطية الأرثوذكسية - كنيسة العذراء المغيثة - مار جرجس(منطقة وحي في القاهرة الكبرى) - كنيسة الخندق - كنيسة حارة زويلة بالقاهرة - كنيسة المغيثة - كنيسة مار مينا - كنيسة المعلقة - كنيسة القديس شنودة - كنيسة العذراء مريم - كنيسة الشهيد مرقوريوس (أبو سيفين) - كنيسة مار جرجس للروم الأرثوذكس ...إلخ).
ومن أشهر قصور القاهرة التاريخية هي: (قصر الجوهرة - قصر الأمير بشتاك - قصر الأمير طاز - قصر الإتحادية - قصر البارون إمبان - قصر الحرم - قصر الزعفران - قصر السكاكيني - قصر القبة - قصر عابدين - قصر المانسترلي - ...إلخ)، وكالعادة كلها قصور تاريخية وقصور كبيرة جداً وتتفاوت أزمنة بنائها.
مقاهي القاهرة هي تاريخ ونبض البشر في مصر المحروسة، وبعضها يكاد يكون تلخيصاً جذرياً لحياتهم، ومن أشهر مقاهي القاهرة هو مقهى (الفيشاوي) الشهير بحي الأزهر العريق بالقاهرة فعلاوة على أنه يعد من أقدم مقاهي القاهرة، حيث يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1797م، إلا أنه أصبح أكثر شهرة وبريقاً، بفضل الأديب المصري العالمي المشهور جداً نجيب محفوظ الذي كان (الفيشاوي) مقهاه المفضل.
من المقاهي الشهيرة أيضاً مقهى (ريش) فقد تأسس عام 1908م بالقاهرة هو أكبر تجمع للمثقفين والسياسيين في المنطقة العربية، ويقع قرب ميدان طلعت حرب بوسط البلد، تأسس عام 1908م، يقال أن هذا المقهى شيده ألماني وباعه عام 1914م إلى الفرنسي هنري بير وهو أحد الرعايا الفرنسيين الذي أعطى له إسم (ريش) ليتشابه بهذا الأسم مع أشهر مقاهي باريس التي ما زالت قائمة إلى الآن.
 وهنالك مقاهي لا حصر لها مثل مقهى (أم كلثوم) في شارع 26 يوليو، وأنذكر بأن هنالك مقهى (جيجي) في نفس هذا الشارع الحيوي بقلب القاهرة وهو مقهى يرتاده السودانيين كثيراً ربما لوجود شاب سوداني يعمل هناك، والمقاهي في القاهرة لا تعد ولا تحصى.
 أنا شخصياً كنت إرتاد مقهى (الكرنك) بشارع محمد محمود، وكذلك مقهى آخر يطل على ميدان التحرير صاحبه من النوبة المصريين وتعامله راقي جداً وبصحبة صديقي جاسم الشيخ، كما لا يمكنني أن أنسى مقهى (إنشراح) في شارع محمد فريد وهو مكان تجمع السودانيين والنوبة القاطنين في منطقة عابدين وفي سوق الإتنين وفي شارع مجلس الأمة وشارع الشيخ ريحان وشارع خيرت وحتى شارع بور سعيد.
 كالعادة يجلس على مقعد بالمقاهى عليه أن يطلب شيئاً ما في البدء قهوة، شاي أخضر، يانسون، سحلب، شاي بالحليب ويسمى بــ (منو وفيه) أو شيشة أو أي شئ آخر، وبعد ذلك يمكنك أن تتفرج على التلفاز أو تطلب لعبة الدومينو (الضمنة) أو لعبة الطاولة، أو كلمة السر الخاصة بالواي فاي، وحتماً ستجد كل فئات الشعب المصري يجلس في المقاهي بالساعات سواءاً كان مهندساً أو مفكراً أو طالباً أو عاطلاً أو طبيباً أو محامياً أو صحفياً أو من يمتهن أي مهنة، فالكل يريد أن يرفه عن نفسه في الشارع العام، وعادة سعر المشاريب (الطلبات) في متناول الجميع.
من أشهر ميادين مصر بالتأكيد هو (ميدان التحرير) بوسط البلد وهو ميدان غني عن التعريف ولا داعي للحديث عنه فقد شهد ثورة 25 يناير.
 ومن المعالم الشهيرة بالقرب منه (المتحف المصري - الجامعة الأمريكية بالقاهرة - مجمع المصالح الحكومية المعروف إختصاراً بمجمع التحرير والذي قام بتصميمه د. محمد كمال إسماعيل - مقر جامعة الدول العربية - القصر القديم لوزارة الخارجية المصرية - فندق النيل هيلتون - مسجد ومبنى عمر مكرم والمكون من أربع طوابق تحت الأرض ويتكون سطحه من حديقة عامة يتوسطه تمثال عمر مكرم.
 كما يوجد بالميدان إحدى أكبر محطات مترو القاهرة الكبرى وهي محطة السادات والتي تضم الخط الأول والثاني معاً، ونجد كذلك كنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية، وهنالك بعض المحلات التجارية ووكالات السفر والسياحة التي تفتح على هذا الميدان المشهور وبعض المطاعم كمطعم بيتــــزا هـــت.
كذلك من الميادين المشهورة جداً بالقاهرة الكبرى ميدان عبد المنعم رياض وهو بالقرب من ميدان التحرير ويقع على الشمال منه، وكذلك ميدان طلعت حرب بوسط البلد وهو ميدان مشهور جداً وتجد حوله كل المراكز التجارية والمحلات الفخيمة ودور السينما والمطاعم الفاخرة.
ومن الميادين الأخرى والمشهورة جداً في القاهرة هي: (ميدان عابدين - ميدان رمسيس - ميدان الفلكي - ميدان باب اللوق - ميدان مصطفي كامل - ميدان محمد فريد - ميدان رابعة العدوية - ميدان الأوبرا - ميدان العتبة الخضراء - ...إلخ)، وهنالك ميادين عديدة لا حصر لها ولكن ما ذكرتهم في الأعلى هي أشهر الميادين وأكبرها تقريباً وبعضها قريبة من بعضها البعض في المسافة.
تجولت لمدة 4 أيام مع صديقي ياسر في وسط البلد وخاصة منطقة العتبة وفي بعض الأحياء المعروفة وهي منطقة قريبة جداً من مكان سكننا في حي عابدين، والحديث عن وسط البلد خاصة العتبة يطيل ويطول وأشهر الأماكن في العتبة هي سور الأزبكية وهو المكان الأشهر لتجارة الكتب والمجلات المستعملة على تنوع وأختلاف مجالاتها.
 وكذلك مسجد (الكخيا) وهو من المساجد الأثرية بالقاهرة، وكذلك شارع الأزهر، وسوق الموسكي وهو من أسواق القاهرة المعروفة، ونجد بوسط البلد المسرح القومي المصري، وشارع عبد العزيز والذي يعتبر المركز الرئيسي والمورد الأساسي لتجارة الأجهزة الكهربائية والهواتف المحمولة بمصر، ونجد أيضاً حمام الثلاثاء وهو مركز لتجارة الأدوات المنزلية.
 وهنالك المركز الرئيسي لهيئة البريد المصري، وكذلك نجد المناصرة وهو المركز الرئيسي في القاهرة لتجارة الأخشاب والأثاث، وهناك شارع محمد علي ويعد مركزاً لتجمع وإلتقاء الموسيقيين، ونجد في العتبة أيضاً مركزاً لصناعة الأختام ومتعلقاتها، كما يقع في العتبة أكثر من موقف للمواصلات فبها وحدها ما يربوا على الأربعة مواقف، ومنطقة العتبة تضم كذلك ميدان الأوبرا وبه تمثال إبراهيم باشا نجل محمد علي، وكذلك نجد نفق الأزهر.
 ومنطقة العتبة تضم مركزاً لإصلاح الساعات فيما يعرف بممر الساعات، ويوجد بها سوق لكافة أنواع الورق، كما يوجد بها وخاصة بشارع عبد العزيز مقر شركة توشيبا العربي وهي إحدى أفضل شركات صناعة وبيع الأجهزة الكهربائية بمصر، ويوجد بها سوق للنظارات الطبية والشمسية وهنالك بعض الفنادق الصغيرة والكبيرة مثل أبو سمبل وأوريان.
كما نجد في العتبة (مطعم السودان) حيث تجمع كل السودانيين ويباع فيه كل الأكلات السودانية، وبالقرب منه تجد (مطعم الخرطوم)، كما أنتشرت مؤخراً مقاهي ومطاعم سودانية في العتبة وعابدين والسيدة زينب وأرض اللواء.
نجد في وسط البلد أيضاً مبنى الأسواق الحرة، وبعض وكالات حجز تذاكر الطيران والبنوك والمحاكم وأقسام الشرطة والفنادق والشركات الضخمة ...إلخ.
من أشهر الجامعات في القاهرة هي بالتأكيد (جامعة القاهرة) وقد قمت بزيارتها عدة مرات وهي تقع في منطقة الجيزة وهنالك جامعات أخرى مثل جامعة عين شمس، جامعة حلوان، جامعة الأزهر الشريف،  الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الجامعة البريطانية بمصر، هذا خلاف الجامعات الأخرى في باقي محافظات مصر المختلفة.
ومن أشهر شوارع القاهرة وليس كلها كما عرفتهم عند زيارتي لقاهرة المعز هي: (شارع 26 يوليو، شارع الأزبكية، شارع الألفـي، شارع البطل أحمد عبد العزيز، شارع عبد الخالق ثروت، شارع الشيخ ريحان، شارع الفلكي، شارع القصر العيني، شارع كلوت بك، شارع وميدان المبتديان، شارع ونفق صلاح سالم، شامبليون بوسط البلد - ...إلخ)، ومن السهل جداً حفظ الشوارع في مصر ولا يحتاج منك إلى عناء طويل فكلها قريبة من بعضها البعض وتتقاطع كثيراً فيما بينها.
والقاهرة الكبرى غنية بالحدائق العامة والخاصة ومنها: (حديقة الأسماك بشارع الجبلاية بحي الزمالك، حديقة الفسطاط شارع صلاح سالم بعين الصيرة، حديقة حيوانات الجيزة بشارع مراد بالجيزة، الحدائق اليابانية بحلوان، حديقة دار العلوم بالقصر العيني في وسط القاهرة، حديقة الأزهر - ...إلخ).
 وحديقة الأزهر هذه تقع بمنطقة الأزهر وهي حديقة رائعة  وخضراء وواسعة وبها خضرة ومياه ويمكنك رؤية القاهرة كلها عندما تكون في أعلى منطقة بهذه الحديقة الغناءة والجميلة.
وعلينا أن لا ننسى دور السينما والمسارح والأوبرا بالقاهرة فهي مليئة جداً مثل: (دار الأوبرا الخديوية، دار الأوبرا المصرية، مسرح مينوش الهوسابير بالمنيل، مسرح الهرم بشارع الهرم، مسرح البالون بالمهندسين، مسرح السلام بجاردن سيتي، مسرح فرقة رضا للفنون الشعبية بالفوالة، مسرح الزعيم بالهرم - ...إلخ)، وكلها مسارح حيوية ونشطة تحيي ليالي القاهرة كل يوم.
كما لا يفوتنا أن نذكر دور السينمات في القاهرة الكبرى مثل: (كوزموس وسط البلد بالقاهرة، مينا بالاس بالهرم، كايرو مول بالهرم، جنينة مول بمدينة نصر، كايرو بوسط البلد، أوسكار رمسيس هيلتون بوسط البلد، ريالتو بوسط البلد، ميامي بوسط البلد، بيجال بوسط البلد، براداي المعادي، ريفولي بوسط البلد، ...إلخ)، وهي دور عرض شهيرة تعرض الأفلام المصرية الجديدة وكذلك الأفلام الأجنبية وهي تتفاوت في الأسعار على حسب السعة والفخامة والسمعة والعراقة والمقاعد والخدمات والموقع وما إلى ذلك من مميزات أخرى.
أشهر المكتبات في القاهرة ودور الطباعة والنشر هي: (مكتبة الجامعة الأمريكية، دار المعارف، مكتبة الانجلو، دار الكتاب المصري اللبناني، مكتبة النهضة، مكتبة الشروق، مكتبة مدبولي، المطابع الأميرية، مكتبة الخانجي ...إلخ)، وكل هذه المكاتب ودور النشر والطباعة نجدها في منطقة القاهرة الكبرى، والكتب التي بها تغنيك عن كل شئ.
وهنالك مستشفيات عديدة وكثيرة جداً في القاهرة الكبرى نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر: (المعهد القومي للأورام، مستشفى الحسين الجامعي، مستشفى القصر العيني التعليمي (الفرنساوي)، مستشفى المنيل الجامعي، مستشفى معهد ناصر، مستشفى سرطان الأطفال (مستشفى 57357)، مستشفى عين شمس التخصصي، مستشفى الزيتون التخصصي، ...إلخ).
وهنالك مجموعة كبيرة جداً من البنوك المصرية والأجنبية ولكن أشهرها هي: (بنك الإسكندرية، بنك مصر، البنك المصري التجاري، البنك العربي الأفريقي، البنك التجاري الدولي، البنك الأهلي المصري، بنك فيصل الإسلامي، بنك القاهرة، البنك العربي الأفريقي الدولي، بنك أوف نوفا اسكوشيا، بنك كريدي أجريكول أندوسويس، بنك المشرق، ...إلخ)، كما نجد بعض الصرافات الشهيرة جداً مثل ويسترن يونيون ولديهم فرع في شارع بور سعيد.
وفي مصر توجد شركات تجارية ووطنية عديدة ومتعددة النشاطات وهي شركات تعمل في مجال الإستيراد والتصدير وفي كافة المجالات مثل الأدوية والإتصالات والتكنولوجيا والأدوات المكتبية والصناعات الجلدية والملبوسات والأطعمة والمعلبات ...إلخ، وأشهر الشركات على سبيل المثال وليس الحصر هي: (شركة إنبى، شركة بتروجيت، شركة غاز مصر، أوراسكوم للإتصالات، إتصالات مصر، فودافون مصر، موبينيل، شركة الشرق الأوسط للبرمجيات، مجموعة طلعت مصطفى، المقاولون العرب، العامة للطرق والكباري، أسمنت قنا، سكك حديد مصر، مصر للطيران، شركة السلام للنقل البحري، عمر أفندى، ...إلخ).
 ومن الشركات المشهورة جداً في مصر في مجال الملابس شركة (التوحيــد والنـــور) وهي محلات منتشرة في كل أحياء القاهرة ومراكزها التجارية، وهي تتبع لأحد تجار الإخوان المسلمين وقد تم مضايقته كثيراً في عهد الرئيس السابق محمد حسني مبارك.
وهنالك بعض الجسور المصرية على نهر النيل الخالد خاصة في منطقة القاهرة الكبرى وهي: (كوبرى 6 أكتوبر - كوبري قصر النيل - كوبري إمبابة - كوبري الجلاء - كوبرى الجامعة - كوبري عباس - كوبري الملك الصالح - كوبري الساحل - كوبري المنيب - كوبري الزمالك)، ولكن تظل جسور 6 أكتوبر وقصر النيل وإمبابة أشهر الجسور على الإطلاق ومنظر القاهرة ونهر النيل من هذه الجسور عند المساء شئ رائع وبديع.
مصر تتميز بمطاعم عدة منها الشعبية ومنها العالمية على سبيل المثال وليس الحصر: (مطاعم ماكدونالدز الأمريكية، مطاعم كنتاكي، دومينوز بيتزا، هت بيتزا، مطاعم الشبراوي، مطاعم مؤمن، مطاعم جاد، مطاعم لذيذ، مطعم الأمريكيين، مطاعك قزاز، مطاعم كوك دور، مطاعم جروبي، ...إلخ).
 والمطاعم المصرية الشهيرة المخصصة لبعض الأكلات المصرية الشعبية فأشهر مطعم لبيع أكلة الكشري الشعبية في مصر هو مطعم (كشري التحرير) بوسط البلد، كما توجد مطاعم مشابهة مثل (توم آند بصل).
 والمخابز المصرية كثيرة وتجدها في كل مكان وهنالك الخبز المدعوم ويتهافت عليه سكان مصر، وهنالك الخبر الغير مدعوم وأنواع الرغيف متعددة جداً في الحجم وفي النوع وفي اللون وفي السعر وفي كل شئ.
إذا أردت تناول الفول والطعمية فعليك بالعربات المتحركة وهي أفضل من المطاعم الثابتة وتبيع الفول والطعمية (الفلافل) طازة.
وفنادق مصر كثيرة جداً لا تحصى ولا تعد منها العالمية ومنها المصرية ومنها العربية ومنها الشعبية، وكلها فنادق عريقة وشهيرة جداً، فعلى ضفاف النيل تجد فنادق سمير أميس أنتركونتنينتال والقابع قبالة جسر قصر النيل من الناحية الشرقية للنهر الخالد وهو أحد أشهر فنادق مصر، وبالقرب منه هناك فندق شبرد، وهنالك الفندق الشهير الحياة ريجينسي بالقرب من المنيل داخل جزيرة صغيرة على النيل وبالقرب من حي جاردن سيتي الراقي وهذا الحي به معظم السفارات مثل السفارة السودانية والإيطالية والأمريكية وغيرهما من السفارات لأنها منطقة راقية جداً وتطل على النيل.
 ومن الفنادق المشهورة أيضاً فندق موفنبيك في مدينة 6 أكتوبر وكذلك فندق نوفوتل في منطقة الجزيرة بوسط القاهرة، وفندق رمسيس هيلتون بالقرب من جسر 6 أكتوبر في الضفة الشرقية للنيل وهو فندق قريب من مبنى ماسبيرو الخاص بالتلفزيون المصري، وفندق فور سيزون لمالكه رجل الأعمال السعودي الشهير الوليد بن طلال ولديه فرع آخر في مدينة الإسكندرية الساحلية الرائعة.
 وهنالك فنادق عديدة جداً في معظم أنحاء القاهرة وخاصة في أحياء الهرم بالجيزة وكذلك بأحياء القاهرة الراقية كمصر الجديدة ومدينة نصر والزمالك وقاردن سيتي وهم من أفضل الأحياء التي أحببتها في القاهرة بالإضافة إلى مدينة 6 أكتوبر.
النيل في مصر شئ بديع وشئ رائع وفي ضفاف النيل تجد كل شئ وهنالك قوارب سياحية تعمل بنظام الأجرة وهي متعددة فمنها من تقوم بجولة قصيرة داخل النيل ومنها من تقوم بجولات طويلة على طول النيل ويقومون بتشغيل الأغاني مع دعمها بالرقص والإستعراض الشعبي البلدي مثل (عشرة بلدي، على واحدة ونص، الرقصات الشعبية والشبابية الحديثة)، والوقت يمضي ويمضي وأنت لا تشعر بمضيه أبداً، وأنصح الجميع بالذهاب إلى القناطر الخيرية التي شيدها وبناها والي مصر في ذلك الزمان محمد علي باشا قبل 200 عام!.
ومن المناطق السياحية في القاهرة قلعة صلاح الدين الأيوبي وتعرف كذلك بقلعة (محمد علي باشا) لوجود مسجد محمد علي باشا بها وهي منطقة تقع في مصر القديمة ويمكنك أن ترى كل مصر بمجرد الدخول إليها، وهي حصن ضخم وبها مسرح غنائي رائع التنسيق والتصميم، وبالقرب منها تقع حديقة الأزهر الرائعة ومن هناك يمكنك أن ترى الأحياء الشعبية المصرية العريقة والتي تحكي عن التاريخ فقط ولا شئ غير التاريخ.
الإسكندرية كمان وكمان
كل يوم كان يزداد إعجابي بمصر وقد مكثت بها قرابة الأربعة أشهر ولم أشعر بمضي تلك الأيام والأسابيع والشهور أبداً، ولكن يقولون في مصر (من لم يزر مدينة الإسكندرية لم يزر مصر أبداً)، وهذه المقولة ليست من فراغ بل هو واقع عايشته بنفسي، قال لي صديقي العزيز شرف بأنه مضطر للذهاب إلى مدينة الإسكندرية لقضاء بعض أعماله ويحتاج لمن يذهب معه ففي ذلك الوقت كان صديقي ياسر باجيو قد عاد إلى أسوان وأصبحت بجانب صديقي شرف الدين في كل تحركاته لأنني لا أريد أن أفوت أية فرصة للتجول بأنحاء مصر فوافقت أن أذهب معه إلى مدينة الإسكندر الأكبر المقدوني (إليكساندرية) وتسمى باللغة العربية كما هي معروفة للجميع بــالإسكندرية بينما ينطقها المصريين باللهجة المحلية (إسكندرية) أي لا ينطقونها معرفاً.
 على كل حال كان أمامنا يومان فقط لأن الشهر العظيم يطرق الأبواب والنوافذ، كالعادة صعدنا على المترو من محطة محمد نجيب حتى محطة الشهداء والتي تجاور وتلاصق محطة مصر للقطارات (محطة رمسيس)، لم نشأ أن نذهب لتلك المدينة الساحرة عبر القطار في المرة الأولى بل ذهبنا عبر الميكروباص (حافلات صغيرة) وعن طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي.
تحركت الحافلة الصغيرة وهي عربة مجهزة بكل شئ ونظيفة جداً وجهاز التكييف يعمل جيداً ولا أذكر سعر التذكرة جيداً إلا أن السعر كان عادياً في حدود (25 جنيهاً للفرد تقريباً).
بعد دقائق قليلة إجتزنا مدينة القاهرة وإتجهت بنا الحافلة الصغيرة نحو الطريق الصحراوي ووصلنا مدينة 6 إكتوبر بغرب القاهرة، هذه المدينة تعتبر من أحدث مدن القاهرة الكبرى وبها المدينة الذكية وهي مدينة كاملة للتكنولوجيا وشركاتها المعروفة، كما أنها مجهزة بكامل المرافق والخدمات الأساسية، وبنيت بصورة حديثة جداً وبتنسيق رائع فمدينة 6 أكتوبر بها الحداثة وهي ليست عريقة كالقاهرة ولكنها منطقة هادئة وجميلة جداً وبها قرى وأحياء وفلل سياحية رائعة.
المدينة الذكية بها جميع الشركات العالمية الكبرى التي تهتم بالتكنولوجيا وبأبحاث التكنولوجيا في كل أنحاء العالم مثل شركة الأوراكل وغيرها من الشركات الضخمة وقل ما نجد مثل هذه المدينة في البلاد العربية والإفريقية فأهل مصر يهتمون بكل شئ لمواكبة العصر الحديث بعد أن إهتموا بالعصور السابقة جيداً.
 بعد إجتيازنا لمحافظة 6 أكتوبر الجميلة، دخلنا محافظة القليوبية وبكل صراحة لم ألاحظ أبداً أن هنالك صحراء، ربما الصحراء كان في مخيلتي فقط، ولم أشاهد سوى الأشجار الخضراء والقرى السياحية المتعددة هنا وهناك، وهذا الطريق الصحراوي طريق دولي وكبير، وكل إتجاه سير للطريق لوحده أي أن الذاهب إلى الإسكندرية يسير بخط لوحده وكذلك القادم من الإسكندرية إلى القاهرة تفادياً لعمليات الإزدحام والحوادث المرورية.
بعد مضي ساعتان تقريباً وصلنا مشارف مدينة الإسكندرية، وبعد إجتيازنا لنقطة التفتيش دخلنا الأحياء والضواحي الجنوبية لمدينة الإسكندرية، ومررنا بتلك الطرقات الرائعة والقرى السياحية العملاقة جنوب المدينة وأسواق كارفور الحديثة ...إلخ.
 المناخ في الإسكندرية منذ دخولنا كان مختلفاً، بها جو رطب ممزوج ببعض البرودة بالرغم من أننا كنا في فصل الصيف، ووصلنا إلى محطة الحافلات في الإسكندرية بالقرب من محطة (سيدي جابر) الشهيرة، وأول ما لفت نظري في مدينة الإسكندرية هي قاطرة (الترام) الشعبية في مصر، فهي وسيلة نقل رسمية في الإسكندرية ولكنها لا تتجول في كل أنحاء الإسكندرية وثمن الذكرة في ذلك الوقت كان 25 قرشاً فقط (أي شبه مجانية) وهي تسير ببطء شديد وعلى خطوط سكك حديدية بسيطة وعريقة جداً.
 لم أفوت فرصة التحدق بناظري داخل المدينة التاريخية، كل المدينة تقريباً على الطراز الإغريقي والروماني وعلى الطراز القبطي وبعض الطرازات الإسلامية والحديثة المنتشرة هنا وهناك، وهي مدينة لا تشبه القاهرة في شئ، حتى إنسانها يختلف عن إنسان القاهرة معظمهم (أي جذورهم) من الإغريق والأقباط والإيطاليين وبعض الجنسيات الأوروبية وبعض العرب والمصريين، حدائق غناء، جو بديع ومنعش، مؤسسات عريقة، مساجد وكنائس وأحياء جميلة، وكأنك في دول الساحل الأوروبي خاصة تلك الدول التي تطل على البحر الأبيض المتوسط، طرقاتها نظيفة جداً والحدائق بها في كل الأطراف، وهي مدينة منظمة وتجبرك على إحترامها منذ الوهلة الأولى، كل شئ كان هادئاً وجميلاً ومنسقاً.
 ذهبنا إلى منزل أحد أقاربي بحي محرم بك، كانت تلك الشقة ملكاً لعمي الراحل كمال (عليه الرحمة) في السابق وباعها فيما بعد، ولكني تعجبت كثيراً عندما زرت تلك الشقة فهي في الطابق الخامس تقريباً وبدون مصعد كهربائي وشقة شبه مغلقة ولا تكثر فيها الشرفات (البلكونات)، وعرفت حينها لماذا باعها ومن ثم باعها قريبي الآخر أيضاً!، بالرغم من أن بيع الشقق في أي جزء بمصر جريمة لا تغتفر على حسب وجهة نظري الضعيفة.
بعد أن أخذنا قسطاً من الراحة ذهبنا إلى منطقة (خالد بن الوليد) وبها شارع يسمى بنفس إسمها وهو شارع حيوي وبه متاجر مختلفة ومصدر دخل لمعظم الأسر في الإسكندرية، وذهبنا من هناك إلى حي العصافرة الساحلي الرائع في شرق الإسكندرية، كان لنا أصدقاء أيضاً في منطقة العصافرة، أذكر منهم الباشمهندس أسعد من منطقة السكوت وقد رافقنا في العبارة التي كنت عليها ما بين وادي حلفا وأسوان وإفترقنا في محطة أسوان للقطارات فقد كان مع والديه، وكان معه أيضاً الصديق الآخر أحمد صالح (تينا). 
قررت أن أقضى الليلة معهم ورحبوا بي كثيراً، وبعد صلاة المغرب إتفقنا أن نذهب إلى شاطئ العصافرة ولأول مرة أرى في حياتي البحر الأبيض المتوسط بنفسي (بحر الـــروم) كما كان يسمى في الماضي، لكنه بحر أبيض وقلبه أبيض وأمواجه زرقاء وشواطئه ساحرة وبديعة، وهواءه منعش، وإنسان الإسكندرية إنسان راقي ومتحضر وإنسان مرح بصورة عامة.
 جلسنا نحن الثلاثة في مقهى ميلانو الشهير والمطل على شاطئ العصافرة بالإسكندرية، حينها إستمعتنا بالمشروبات المصرية وبالمشروبات الغربية والشرقية ونحن ننظر لشواطئ البحر الأبيض المتوسط، ونطرب أسماعنا بتلاطم أمواج البحر المتوسط مع شواطئ الإسكندرية الرملية الساحرة، لم نشعر بالوقت وعدنا إلى الشقة عند ساعات الفجر الأولى.
 في صبيحة اليوم التالي قمنا بجولات كثيرة داخل أحياء الإسكندرية العريقة وشواطئها الرائعة، وفي المساء قررنا الرجوع إلى القاهرة لأن كل الإذاعات وشاشات التلفاز كانت قد أعلنت أن يوم الغد هو أول يوم في شهر رمضان، وعدنا بنفس الطريق الصحراوي ولكننا عقدنا العزم على العودة مرة أخرى في عيد الفطر المبارك لأن يومان فقط في الإسكندرية لا يكفيان أبداً.
 تعاهدنا في ذلك على أن نأتي إلى الإسكندرية للإقامة بها لمدة أسبوع أول 5 أيام على الأقل وأن نأتي مع مجموعة الشباب الذين يقطنون معنا في نفس الشقة المستأجرة بحي عابدين بالقاهرة وعدنا في نفس الليلة وعن طريق القاهرة الإسكندرية - الصحراوي.
 صراحة لم إستمتع بأجواء الإسكندرية هذه المرة كثيراً لضيق الوقت ولأن شهر رمضان كان على الأبواب، ولكني قررت تكرار الزيارة لهذه المدينة الجميلة ذو الطراز الأوروبي مرة أخرى.
رمضان في القاهرة
شهر رمضان في القاهرة غير، والشهر كله خير في خير، حيث الفوانيس المتناثرة هنا وهنالك، والوشاحات الرمضانية الشهيرة بالأحياء الشعبية، وتحتفظ شوارع القاهرة وحواريها وأزقتها بجاذبيتها في شهر رمضان المبارك وفي الأعياد الكبيرة، فتجذب السائحين من مختلف الجنسيات، بل ومن مختلف الديانات للإحتفال بهذا الشهر الذي يبدع فيه المصريون لإسعاد الزائرين، ولإسعاد أنفسهم أيضاً، فتختلط شعائر العبادة بروائح المسك والعنبر، وتمتزج بالإحتفالات والإبتهالات وبفانوس رمضان وبصوت المسحراتي وبرائحة الحلوى الرمضانية، وبين الأحياء الشعبية القديمة والفنادق ذو الخمس نجوم، تقام الخيم الرمضانية التي تقدم الأكلات المصرية والشرقية، وألواناً من الفنون المختلفة.
 وتبدأ مظاهر الإحتفال بالشهر الكريم، في القاهرة التاريخية (المدينة القديمة)، وإنطلاقاً من طريق الحسين وشارع المعز لدين الله الفاطمي وسكة الخان (خان الخليلي) تحديداً، والسائح (المتمكن) يبدأ يومه بالصلاة في مسجد الحسين، والتنقل بين أزقة حي الحسين لإختيار مطعم من ضمن المطاعم المتراصة على هذا الطريق للإفطار، قبل دخول سكة الخان ويعتبر مطعم (الدهان) أشهر مطاعم هذه المنطقة، ويقدم الأكلات المصرية والشرقية، ويعتبره الكثير من السياح والسكان المحليين أفضل مطاعم المنطقة.
بعد الإفطار يجدر بالسائح البدء في رحلة ممتعة خلال خان الخليلي، الذي يرجع عمره إلى 600 عام مضت، حيث بني في عصر المماليك، وتلتقط أنفاس زائر الخان رائحة التاريخ مختلطة بروائح البخور ودهن العود ودخان المستكة، وتلمس قدماه الأرضية المبلطة بحجر بازلتي أسود لامع، كما تتسلل إليه حوانيت عديدة مليئة بالكنوز والتحف النادرة المصنوعة بمهارة من خلال أسلوب واحد عرفت به القاهرة القديمة في عرض بضائعها، وما زال قائماً حتى الآن من خلال الأسواق المتلاصقة والحوانيت التي تملأ الحارات وتعرض نفس البضاعة بأسعار متفاوتة، لتشبه معرضاً دائماً ومستمراً لكافة أنواع الأصناف والألوان من ذهب وماس وفضة، وأوراق البردي التي تحمل كلمات هيروغليفية وتمائم وأيقونات.
ولمن تعب من التجول القاهري الرمضاني عليه أن يستريح ليلتقط أنفاسه، فليتجه صوب مقهى (الفيشاوي) الشهير، الذي أسسه فهمي علي الفيشاوي عام 1798م كما ذكرت في سطور سابقة.
وفي القاهرة ينقضي الوقت سريعاً، فإذا وجدت عقارب الساعة تشير إلى التاسعة مساء، وأردت أن تقضي ليلة رمضانية تسمع فيها الموسيقى وتشاهد الفنون المختلفة التي تناسب الأجواء الروحانية للشهر، فلا حاجة للسير بعيداً، حيث أن وزارة الثقافة المصرية تحيي أكثر من 100 ليلة رمضانية في مراكز الإبداع الفني التابعة لها والمتمثلة في البيوت الأثرية في منطقة القاهرة التاريخية، تحت إشراف صندوق التنمية الثقافية، وأول هذه البيوت (بيت الهراوي) والذي يرجع إسمه إلى آخر ملاكه عبد الرحمن بك الهراوي، الذي غادر عام 1921م، ويرجع بناؤه لنهاية القرن السادس عشر ويجمع في طرازه المعماري بين عدة عصور ويقع خلف الجامع الأزهر الشريف.
الحديث يطول ويطيل عن شهر رمضان المعظم، وفي كل تنقلاتي هذه كان معي صديقي العزيز جاسم الشيخ وهو خبير بالأحياء المصرية وبمعالمها الحيوية وذلك من خلال تواجده المستمر في القاهرة وكان طالباً في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.
كانت شقتنا كالعادة تضج بالأصدقاء وكنا نتسامر ونتجالس ونحتسي القهوة والشاي ونلعب (الكوتشينة) حتى آذان الصبح وبعد الصلاة كنا ننام ونصحو عند الساعة الثالثة ظهراً لتعويض ما فاتنا من السهر ثم نقوم بتحضير الإفطار والصلاة وحضور البرامج الرمضانية في شاشات التلفاز، ومنا من كان يقضي وقته عبر شاشات اللاب توب في مواقع الإنترنت المختلفة ومنا من كان يداوم على قراءة القرآن مثل صديقنا طلحة من أبناء (دنقلا العجوز)، أو من يطالع إحدى الصحف المصرية اليومية أو الكتب الثقافية أو المجلات الأسبوعية، فالوقت يمضي وبسرعة وبمتعة.
تعتبر جمعية (صاي) من الجمعيات النوبية العريقة جداً في وسط البلد وخاصة في حي عابدين وكانت البناية التي بها الجمعية ملاصقة للعمارة التي بها شقتنا وهذه الجمعية تأسست في العام 1914م.
ومنطقة عابدين يقطن بها الكثير من النوبة سواء من مصر أو السودان ومعظمهم كانوا عمالاً وموظفون في قصر عابدين في زمن الأسرة العلوية لأنهم مشهورين بالأمانة وبالصدق وتم مكافأتهم بتمليكهم لشقق كثيرة في وسط البلد ونلاحظ كثرة جمعياتهم كجمعية أبو سمبل وغيرها في شارع محمد فريد.
 كنت أذهب في بعض المرات إلى مقهى إنترنت ذو طابقين قريب من مكان شقتنا وهو ملك لسوداني من منطقة المحس ومقر المقهى في نفس العمارة التي يمتلكها وهو يقطن مع أسرته هناك وإسم المقهى هو (الطيب نت) والذي تم إغلاقه لاحقاً، والأسر السودانية كثيرة جداً في القاهرة ومعظمهم من منطقة المحس والسكوت وحلفا.
 جمعية صاي كما ذكرت سابقاً من أشهر الجمعيات السودانية في القاهرة وكل سوداني يعرفها عن ظهر قلب وكانت تقيم إفطارات جماعية لكل الناس، هنالك سودانيون يقضون شهر رمضان في القاهرة ويأتون إليها من أمريكا وكندا وأوروبا وبعض دول الخليج ومن السودان أيضاً، فشهر رمضان في القاهرة شئ جميل، وفي كل يوم كنا في حي جديد وببرامج جديدة وعدى علينا الشهر في القاهرة وكأنه أسبوع واحد فقط.
 كما مر علينا العيد بصورة عادية ولم نتجول كثيراً في مساجد مصر العريقة بل حتى صلاة العيد قد فاتتنا ولأول مرة في حياتي تفوتني صلاة العيد ولكن كل تفكيرنا هو الذهاب إلى الإسكندرية كما إتفقنا نحن الشباب عليها من قبل، وقررنا أن نذهب في رابع أيام عيد الفطر المبارك.
إسكندرية يا مرية
إنتظرت رابع أيام عيد الفطر بفارغ الصبر وقررنا الذهاب أنا وصديقي محمد حاج همت (حمو حاج) قبل الأصدقاء الآخرين إلى الإسكندرية لأنهم كانوا مترددين ما بين الذهاب إلى منطقة العين السخنة في البحر الأحمر أو الإسكندرية ولكن الرأي الأرجح كان هو الذهاب إلى الإسكندرية وقضاء عدة أيام لأن الذهاب إلى منطقة العين السخنة معناها أن نعود أدراجنا في نفس اليوم وهذا ما لم نتفق عليه كثيراً، وإقترحت على صديقي هذه المرة الذهاب عن طريق القطار لأن السفر إلى الإسكندرية عن طريق القطار ليس كالسفر عن طريق الحافلات الصغيرة عبر طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي.
 قمنا بشراء التذاكر سريعاً وجاء القطار وفي الزمن المحدد بالضبط وتحرك في الزمن المحدد أيضاً، وكنت متشوقاً جداً لرؤية الوجه البحري عبر القطار، وكذلك لرؤية دلتا النيل ومحافظات مصر الأخرى في الوجه البحري، إجتاز القطار مدينة القاهرة الكبرى ووصل محافظة القليوبية وأولى المحطات التي وصلنا إليها هي مدينة (بنها) وبعد ذلك وصلنا محطة مدينة طنطا (بلد الأوانطة) وهي مدينة كبيرة جداً ونظيفة وبها إكتظاظ سكاني.
بعد ذلك وصلنا محطة مدينة (دمنهور) الشهيرة جداً ثم محطة مدينة (كفر الدوار) وكل هذه المحافظات والمدن هي مدن نظيفة ورائعة وبها معمار جميل جداً وكلها مناطق زراعية وخضراء وبها مياه وفيرة ومن كل الجوانب والمحاصيل التي تزرع هناك لا حصر لها وهي مناطق الفلاحين الأساسية وهم ملوك الزراعة في مصر وإعتمادهم الكلي ينصب على الزراعة.
 بعد إجتيازنا لكل تلك المحطات وصلنا محطة (سيدي جابر) الشهيرة في الإسكندرية عند المساء، ومحطة قطار سيدي جابر هي المحطة الرئيسية في الإسكندرية، وتوجد في حي سيدي جابر بوسط الإسكندرية الحديثة، وتمر بها قطارات السفر إلى القاهرة وبعض المدن الرئيسية في مصر، بالإضافة إلى قطارات الخط الداخلي (خط أبو قير) الذي يربط بين محطة الإسكندرية ومدينة أبو قير شرق الإسكندرية.
قمنا بإستئجار إحدى سيارات الأجرة الخاصة بالإسكندرية وبالإتفاق مسبقاً لأن هنالك سيارات تعمل على حسب العداد، وصلنا منطقة خالد بن الوليد وبحثنا هناك عن الشقق كثيراً ولكن لم نتفق مع أصحاب الشقق والسماسرة في شئ، وأقترحت علي صديقي الذهاب لحي العصافرة، ذلك الحي الذي زرته من قبل (أي قبل أكثر من شهر)، وبالفعل ووجدنا شقة جميلة ولكنها لا تطل على البحر مباشرة بل إلى الداخل قليلاً (الناصية الثانية).
وأذكر فيما أذكر أننا قمنا بإستئجارها من إحدى سيدات (كفر الشيخ) وسعر الشقة لليوم الواحد كان (70 جنيهاً) والشقة كانت في الطابق الثالث وبدون مصعد كهربائي، بينما أسعار الشقق التي تطل على البحر في سان ستيفانو وخالد بن الوليد والمنتزه ومارينا وفي العصافرة نفسها وعلى البحر مباشرة (200 جنيهاً) على الأقل وتختلف من عمارة لأخرى على حسب نوع الخدمات وما إلى ذلك.
قمنا بتنظيف الشقة وإعدادها جيداً لأن باقي الأصدقاء قرروا المجيئ إلى الإسكندرية في اليوم التالي، بعدها ذهبنا إلى البحر المتوسط وإستمعتنا كثيراً بأجواء الإسكندرية الساحرة، وقمت بتأجير شقة أخرى مجاورة لنا لقريبي وصديقي مصعب إبن المرحوم علي عوض فقد جاء إلى مصر مع والديه وقرروا قضاء يومان بالإسكندرية للترفيه عن أنفسهم وهو تفكير منطقي فالإبتعاد عن أجواء القاهرة شئ هام وضروي لكل الناس، والعمارة التي قطنوا فيها بها مصعد كهربائي.
في صباح اليوم التالي ذهبنا نحن الثلاثة إلى المطاعم المجاورة لنا وإلى محلات الحلوى المنتشرة وإلى الشواطئ القريبة من الحي وكلما ذهبنا إلى مكان ما نجده أفضل من الأخرى، الحياة في الإسكندرية لديها طابع خاص، خاصة في فصل الصيف المشمس والحار، حيث المصايف الممتلئة بالأجانب وبكل المصريين ومن جميع المحافظات المختلفة.
جاء أصدقائنا في نهاية اليوم التالي لنا وقضينا باقي الوقت مع بعضنا البعض داخل الشقة ووضعنا برنامج الغد وقررنا في البدء الذهاب إلى قلعة قايتباي الشهيرة (مكان فنار الإسكندرية التاريخي الشهير)، والمعلومات المتوافرة عندي لهذه القلعة بأنها تقع في نهاية جزيرة (فاروس) بأقصى غرب الإسكندرية، وشيدت في مكان فنار الإسكندرية القديم والذي تهدم سنة 702هـ إثر الزلزال المدمر الذي حدث في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون.
 وقد بدأ السلطان الأشرف أبو النصر قايتباي بناء هذه القلعة في سنة 882هـ وإنتهى من بنائها سنة 884هـ، وكان سبب إهتمامه بالإسكندرية كثرة التهديدات المباشرة لمصر من قبل الدولة العثمانية والتي هددت المنطقة العربية بأسرها.
بنيت قلعة قايتباي على مساحة قدرها 17550 متر مربع وقد بنيت على هذه المساحة أسوار القلعة الخارجية وإستحكاماتها الحربية وهي عبارة عن مجموعة من الأسوار بنيت لزيادة تحصين القلعة وهذه الأسوار عبارة عن سورين كبيرين من الأحجار الضخمة التي تحيط بالقلعة من الخارج والداخل أعدت لحماية القلعة، فالسور الأول هو السور الخارجي ويحيط بالقلعة من الجهات الأربع فالضلع الشرقي من هذا السور يطل على البحر ويبلغ عرضه مترين وإرتفاعه ثمانية أمتار ولا يتخلله أي أبراج أما الضلع الغربي فهو عبارة عن سور ضخم سمكه أكبر من باقي أسوار القلعة يتخلله ثلاثة أبراج مستديرة ويعد هذا السور أقدم الأجزاء الباقية، أما الضلع الجنوبي فإنه يطل على الميناء الشرقية ويتخلله ثلاثة أبراج مستديرة ويتوسطه باب، أما الضلع الشمالي فيطل على البحر مباشرة وينقسم إلى قسمين الجزء السفلي منه عبارة عن ممر كبير مسقوف بني فوق الصخر مباشرة به عدة حجرات أما الجزء العلوي فهو عبارة عن ممر به فتحات ضيقة تطل على البحر.
ذهبنا إليها عبر عربة طويلة وسياحية ومكشوفة من الأعلى وهذه العربة مخصصة لزيارة الإسكندرية كلها وسعر التذكرة 3 جنيهات ولكن بإمكانك زيارة كل معالم الإسكندرية المطلة على البحر الأبيض المتوسط بهذه الجنيهات البسيطة.
بعد قضاء أوقاتاً رائعاً هناك وأخذ الصور التذكارية قررنا زيارة مكتبة الإسكندرية الضخمة، ويا لها من مكتبة عملاقة.
تستحق هذه المكتبة العظيمة المكانة التاريخية التي أعطيت لها، وتاريخياً عرفت هذه المكتبة بإسم مكتبة الإسكندرية الملَكية أو المكتبة العظمى أو ببساطة مكتبة الإسكندرية وهو أكبر مكتبات عصرها، شيدها بطليموس الأول، ويقال أنه تم تأسيسها علي يد الإسكندر الأكبر قبل ثلاثة وعشرين قرناً، ويقال أيضاً أنه تم تأسيسها على يد بطليموس الثاني في أوائل القرن الثالث قبل الميلاد عام (285 ـ 247).
تم إعادة إحياء المكتبة في مشروع ضخم قامت به مصر بالإشتراك مع وكالة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة، حيث تم بناء المكتبة من جديد في موقع قريب من المكتبة القديمة، تم إفتتاح المكتبة الحديثة في أكتوبر 2002م وهي مكتبة ضخمة وبها قاعات متعددة تحوي كل قنوات الثقافة وزيارتها واجب لكل من زار مدينة الإسكندرية، وكالعادة إستمتعنا بزيارة هذا الصرح التاريخي وأخذنا الصور التذكارية، هذه المكتبة لم تفارق مخيلتي أبداً.
في الأيام التالية زرنا الكثير من الأحياء الإسكندرانية والمراكز التي بها وكذلك الأسواق الشهيرة بالإسكندرية، وحدائقها ومساجدها ومحطاتها ومطاعمها وشواطئها وشوارعها ومعالمها المنتشرة هنا وهناك، وأنديتها الرياضية المختلفة.
أدعو كل من يزور الإسكندرية أن يزور هذه المعالم وهي: (عمود السواري، تاريخياً يعتبر عمود السواري من أشهر المعالم الأثرية في الإسكندرية، فقد أقيم فوق تل باب سدرة بين منطقة مدافن المسلمين الحالية والمعروفة باسم مدافن العمود وبين هضبة كوم الشقافة الأثري، ويصل طوله إلى حوالي 27 مترا ومصنوع من حجر الغرانيت الأحمر.
كما على الزائر أن يمر ويزور قصر المنتزه وهو أحد القصور الملكية بمصر، وبناه الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892م بمدينة الإسكندرية، يقع القصر داخل حدائق تعرف بإسمه (حدائق المنتزه).
 وعليه أن يزور أيضاً المتحف اليوناني الروماني وهو متحف للآثار في مدينة الإسكندرية في مصر ويعرض تشكيلة واسعة من الآثار التي عثر عليها في الإسكندرية وما حولها وهي في معظمها آثار من العصر البطلمي والعصر الروماني اللاحق له وتحديداً منذ نشأة الإسكندرية من القرن الثالث قبل الميلاد إلي القرن الثالث بعد الميلاد وإفتتح المتحف في 17 أكتوبر 1892م.
 وعليه أن لا ينسى زيارة متحف المجوهرات الملكية وهو متحف يعرض مجوهرات الأسر المالكة التي حكمت مصر، ويقع في مدينة الأسكندرية، وشيد القصر العام 1919م في منطقة زيزينيا وهو تحفة معمارية، وتبلغ مساحته 4185 متراً مربعاً.
 كما أن زيارة متحف الاسكندرية القومي واجبة لكل الناس ويحتوي المتحف على مايزيد عن 1800 قطعة أثرية تمثل معظم العصور التي مرت على المدينة التي تأسست في العام 332 قبل الميلاد، ومبنى المتحف هو عبارة عن قصر سابق لأحد تجار الأخشاب الأثرياء في المدينة وهو "أسعد باسيلي"، الذي قام بإنشائه على طراز المعمار الإيطالي. 
في معالم الإسكندرية يعتبر مسجد المرسي أبو العباس من أقدم وأشهر المساجد التي بنيت بالإسكندرية في مصر، ويشتهر بناء الجامع بقبابه المميزة الشكل، وهو من أهم ما يميز منطقة أبو العباس في منطقة بحري بالمدينة، وهو من أهم وأقدم وأشهر جوامع الإسكندرية مسجد أبي العباس المرسي، أو كما يسميه أهل الإسكندرية المرسي أبو العباس يضم ضريح العارف بالله الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسن بن على الخزرجي الأنصاري المرسي، الذى يتصل نسبه بالصحابي الجليل سيد الخزرج.
وهنالك بعض المعالم لا بد من زيارتها ولو لمدة نصف ساعة وهي المسرح الروماني - جبانة كوم الشقافة في منطقة كرموز - معبد الرأس السوداء ومقبرة اللاتين - مقبرة الشاطبي في محطة الشاطبي أمام مدرسه سان مارك - مقابر مصطفي كامل وتقع بشارع المعسكر الروماني برشدي وهى عبارة عن أربعة مقابر من العصر البطلمي - مقابر الأنفوشي تقع أمام مدخل رأس التين وتوجد بالمنطقة خمسة مقابر ولكن إثنتان منهم تعتبر من أهم المقابر بالمنطقة حيث تم إكتشافها عام 1901م ويرجع تاريخها إلى العصر البطلمى القرن الثالث قبل الميلاد وتتميز المقبرتان بنقوشها الجميلة وتصميمها البنائى الفريد.
ومن معالم المدينة الساحرة آثار البرديسي سميت هذه الآثار بهذا الاسم لوقوعها على شارع البرديسي المجاور لمسجد سيدي عبد الرزاق الوفائي والمطل على شارع النبي دانيال، ومن المعالم الأخرى صهريج الشلالات ويقع في منطقة الشلالات ويطل على شارع الشهيد صلاح مصطفى.
وبصورة مختصرة عليه زيارة هذه الأماكن مثل: (محطة سيدي جابر - إستاد برج العرب - إستاد المكس - نادي الإتحاد السكندري - نادي سموحة - نادي سبورتينغ - نادي حرس الحدود - منطقة برج العرب - ميناء الدخيلة - متحف الإسكندرية القومي ويقع في طريق الحرية - متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية ويقع في حي محرم بك - متحف ومعهد الأحياء المائية - ويقع في الأنفوشي بجوار قلعة قايتباي - متحف المجوهرات الملكية - متحف كفافيس - متحف البرديات، ...الخ).
وأشهر شواطئ الإسكندرية هي: (المعمورة - المنتزه - المندرة - العصافرة - ميامي - سيدي بشر - سان إستيفانو - جليم - خليج ستانلي - رشدي - سيدي جابر - كليوباترا - الإبراهيمية، والشاطبي - ...إلخ)، وتمتدّ كلّ هذه الشواطئ على طول الإفريز.
وعليه أن يزور أحياء الإسكندرية العريقة مثل: (المنتزه – ميامي - المندرة - سيدي بشر – خالد بن الوليد – العصافرة - فيكتوريا - لوران - جناكليس - شتس - باكوس - سان اسيتفانو - زيزينيا - سابا باشا - جليم - مصطفى كامل - سيدي جابر - بولكلى - المنشية – الأنفوشي - المعمورة - وابور المياه - اللبان - المكس - ...إلخ).
العودة للقاهرة مرة أخرى
بعد ذلك عدنا من مدينة الإسكندرية الجميلة - Alexandria - إلى القاهرة ولكن هذه المرة عن طريق (الإسكندرية – القاهرة) الصحراوي مرة أخرى، وبعد ذلك قمت بتكملة زياراتي لمعالم القاهرة المختلفة مع صديقي العزيز جاسم الشيخ فقد سكنت بالقاهرة بعد العودة من الإسكندرية لأكثر من شهران ونصف وهي مدة ليست بالبسيطة لزيارة كل أو معظم معالم القاهرة وصراحة لم نترك شيئاً للصدفة أبداً.
كنت حريصاً على زيارة كل معالم القاهرة فهذه الفرصة ربما لن تتكرر مرة أخرى، مكثت قرابة الأربعة أشهر في مصر ما بين أسوان والقاهرة والإسكندرية وكانت رحلة ممتعة جداً ولا تفارق مخيلتي أبداً ولن تفارقها، وإنضم إلينا فيما بعد قريبي عليش عبد المجيد والذي أبى إلا وأن يؤجر شقته بالقرب من مكان تواجدنا في وسط البلد، قمنا بتأجير شقة له في عمارة مشهورة جداً بالقرب من سوق الإثنين في شارع محمد فريد وهذه العمارة تسمى بعمارة (50) وهي عمارة ضخمة جداً تتكون من 10 طوابق تقريباً وكل طابق به 4 شقق وهي من أشهر عمارات وسط البلد تقريباً وأسعار الشقق هناك متوسطة وبها أسر سودانية كثيرة. 
عادة المصريين يفضلون السودانيين والأجانب في الإيجارات كثيراً لإلتزام السودانيين بدفع الإيجار، واليوم يبدأ عند الساعة الــ 12 ظهراً وينتهي بعد 24 ساعة بالضبط.
 بعد إنضمام صديقنا عليش معنا بالإضافة إلى صديق آخر من جمهورية مالي إسمه (علي) وكان يسكن في حي الهرم بالجيزة، فقد توسعت وزادت زياراتنا للمعالم السياحية في القاهرة، كثيراً أذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر (مول ستارز سيتي، شارع الهرم الحيوي جداً في الجيزة ويقع هذا المكان في حي الهرم، سينمات وسط البلد، حديقة ماجيك لاند، ...الخ)، حتى جامعة القاهرة لم نتركها دون زيارة.
 في بعض الأحيان كنت أخرج لوحدي فزرت حدائق حيوانات الجيزة، نادي الزمالك، والنادي الأهلي، ونادي الجزيرة، ولم نشأ أن نترك زيارة الإهرامات في الجيزة خاصة مع صديقي جاسم فهي معروفة عالمياً ورمز البلاد الخالدة.
فوت فرص عديدة لزيارة مدينة (شرم الشيخ) السياحية في شبه جزيرة سيناء وكذلك مدينة الأقصر والغردقة والعين السخنة وميناء بور سعيد لكثرة إنشغالي بالقاهرة والإسكندرية ولكني أدركت فيما بعد بأنني قمت ببعض القرارات الغير مثالية برفضي لتلك الدعوات، فقد كان لنا صديق من مدينة قنا يعمل كمرشد سياحي في شرم الشيخ ودعانا كثيراً لزيارته بشرم الشيخ، ولكني لم أندم على كل ذلك أبداً فمدن أسوان والقاهرة الكبرى والإسكندرية وما بينهما تكفيك كثيراً.
السودان مرة أخرى
بعد إنقضاء الأيام السعيدة والرائعة عدت إلى الخرطوم مرة أخرى عن طريق الخطوط الجوية الخاصة والمعروفة ب(صن إير)، ويسميها السودانيين في مصر بـ (صن طير) والمعنى واضح بكل تأكيد، كالعادة مكثنا في الصالة القديمة بمطار القاهرة الدولي قرابة الــ 4 ساعات، والمطار القديم ملاصق للمطار الجديد والمقصود هنا الصالات والمحطات وليس مطاران منفصلان كما يفهم البعض.
 والحديث عن مطار القاهرة يطول ويطول، فحركة الطيران لا تتوقف ويتعاملون بأحدث الأجهزة وهو مطار ضخم ودولي بكل ما للكلمة من معنى، والسياح لا حدود لهم والطائرات التي تهبط في مطار القاهرة وبالعكس كثيرة جداً.
 رجعت إلى السودان لأنني قررت السفر إلى أمريكا أو الدول الأوروبية عن طريق السودان ففي مصر الفرص صعبة، وعيد الأضحى المبارك كان على الأبواب فعدت إلى السودان، وطوال الأيام الأولى لعودتي إلى السودان كان كل عقلي وتفكيري في شمال الوادي.
لاحقاً عدت إلى مصر من السودان في سبتمبر 2014م مرة أخرى وغادرتها إلى أوروبا عن طريق البحر المتوسط في يونيو 2015م ثم زرتها للمرة الثالثة ولمدة ٣ أسابيع في أغسطس 2019م خاصة بعد أن أصبحت مقيماً في لندن ببريطانيا حيث عانيت كثيراً قبل الإستقرار ببريطانيا، وكالعادة في كل مرة كنت أسكن بالقرب من سوق الإثنين بوسط البلد.


هناك تعليقان (2):

  1. تأسست شركة ايه بى سى للسياحة عام 2004 ترخيص رقم 1290 فئة ( أ ) سياحة عامة .. أكبر نسبة فوز في قرعة الحج وأفضل وأرخص رحلات الحج والعمرة .وحجز تذاكر الطيران ورحلات السياحة الداخلية والخارجية ، خبرة وأشراف على أعلى مستوى فى خدمة عملائنا الكرام.
    https://abctraveleg.com/

    ردحذف
  2. قصة خيالية ومشوقة ورائعة
    تستحق ان تكون فيلما سينمائيا
    او مسلسلا جميلا أو كتابا مهما

    ردحذف